الشيخ بسّام محمّد حسين*
في أحد أحياء دمشق القديمة، وفي جوار الجامع الأمويّ، ثمّة مشهد من مشاهد أهل البيت عليهم السلام يُنسب إلى ابنة من بنات الإمام الحسين عليه السلام تُعرف بالسيّدة رقيّة.
فهل صحيح أنّ للإمام الحسين عليه السلام ابنة بهذا الاسم؟ وما هو سبب دفنها في هذا المكان؟
* بنات الإمام الحسين عليه السلام
اختلفت كلمات المؤرّخين والرواة وعلماء الأنساب في ذكر بنات الإمام الحسين عليه السلام وعددهنّ، تبعاً للاختلاف في عدد أولاده عليه السلام بشكلٍ عام. ويمكننا أن نجعل الأقوال في هذا المجال ثلاثة:
الأوّل: أنّ لديه عليه السلام ابنتين هما: فاطمة وسكينة(1)، وهذا هو المتيقّن والمتّفق عليه.
الثاني: أنّ بناته عليه السلام ثلاثة، فقد أضاف بعضهم إلى فاطمة وسكينة ابنة ثالثة أسماها زينب(2).
الثالث: أنّ لديه عليه السلام أربع بنات، فقد أضاف بعضهم إلى فاطمة وسكينة وزينب ابنة رابعة.
وفي الوقت الذي ذكر كمال الدين بن طلحة الشافعي أنّ بناته أربعة، لم يذكر للرابعة اسماً(3)، بينما ذكر النسّابة ابن فندق البيهقي أنّ اسمها أمّ كلثوم(4)، وخالفه في ذلك ابن أبي الفتوح اليمانيّ الذي ذكر أنّ اسمها أمّ عبد الله(5)... ومهما يكن، فما يهمّنا هو أصل وجود ابنة رابعة كما ذكر هؤلاء، وإن لم نعرف لها اسماً بعينه. وربّما يُضاف إلى ما سبق ما جاء في بعض المصادر أنّ للإمام الحسين عليه السلام ابنة أخرى تسمّى فاطمة -وهي الصغرى- كانت قد بقيت في المدينة ولم تأتِ كربلاء كما يظهر من الرواية.
* من هي رقيّة؟
قد يتوهّم بعضهم أنّ عدم ذكر علماء الأنساب لبنت تسمّى رقيّة بين بنات الإمام الحسين عليه السلام هو دليل على عدم وجودها. إلّا أنّ هذا الكلام فيه غفلة كبيرة عن غرض النسّابة وما يتوخّاه من غاية، وذلك لأنّ عالم النسب غايته بيان من يعقّب من الأولاد الذكور وتعدادهم، لأنّه بهم يُحفظ نسل الرجل وتبقى ذرّيّته، ولا يتعرّضون للإناث إلّا نادراً ولمن كانت معروفة منهنّ. وأمّا من كانت خاملة الذكر، أو ماتت وهي صغيرة، فلا تقع موضع اهتمامهم وتتبّعهم.
فليس من الصحيح المبادرة إلى نفي وجودها لمجرّد عدم ذكرها بهذا الاسم، بل لا بدّ من البحث جيّداً بين بناته عليه السلام وما جاء في حقّهنّ من أخبار وروايات قد تفيدنا في تعيين هويّة هذه البنت وما يُذكر عنها.
* رواية ابن فندق النسّابة
أشار الفقيه النسّابة الشهير بابن فندق المتوفّى سنة 517 للهجرة في كتابه لباب الأنساب، إلى وجود ابنة للإمام الحسين عليه السلام تسمّى رقيّة، حيث قال: «وأما الحسينيّة فهم أولاد الحسين بن عليّ L، ولم يبقَ من أولاده إلّا زين العابدين عليه السلام وفاطمة وسكينة ورقيّة...»(6). وهذا الكلام، رغم أنّه يثبت وجود هذه البنت، إلّا أنّه وقع محلّاً للاعتراض من ناحيتين:
الأولى: أنّ البيهقي نفسه اكتفى بتعداد أربع بنات للإمام عليه السلام، وهنّ: فاطمة وسكينة وزينب وأمّ كلثوم، ولم يذكر من بينهنّ رقيّة.
الثانية: أنّه في كلامه هذا عدّها من بين من بقي من أولاده، بينما تنصّ القصّة التي سنوردها لاحقاً على استشهاد رقيّة وهي صغيرة في الأسر!
ويمكن الجواب عن ذلك بما ذكره بعض الباحثين:
أوّلاً: لعلّ رقيّة هي أمّ كلثوم التي نصّ البيهقي نفسه أنّها ماتت وهي صغيرة.
ثانياً: أنّ بقاءها بعد الإمام عليه السلام يعني بقاءها بعد يوم عاشوراء(7). هذا، وقد نُقل عن العلامة السماوي في رسالة له أنّه عدّ من جملة بناته عليه السلام: رقيّة، بدل أمّ كلثوم(8). ولعلّ مراد السماوي من إدراجها بين بناته عليه السلام هو الإشارة إلى أنّ هذه البنت المعروفة بهذا الاسم هي إحدى بناته عليه السلام، وإن لم تكن مسمّاة بهذا الاسم بالخصوص. ولعلّ ما تقدّم من الاختلاف في تحديد اسم البنت الرابعة يرجّح هذا الاحتمال، كما لا يمنع أن تكون ابنة أخرى غيرها أيضاً تضاف إلى بناته عليه السلام.
* رواية ابن طاووس
جاء في بعض نسخ كتاب الملهوف للسيّد ابن طاووس المتوفّى سنة 664 للهجرة، أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال لأهل بيته: «يا أختاه، يا أمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا رقيّة، وأنت يا فاطمة، انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن عليَّ هجراً»(9). ولم يتحقّق لدينا وجود رقيّة بنت أمير المؤمنين عليه السلام زوجة مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) في كربلاء، ولم نعثر على نصّ يوثق به يدلّ على ذلك، ممّا يرجّح أنّ المخاطبة بهذا النداء هي ابنة الإمام الحسين عليه السلام.
* رواية الكامل للبهائي
ذكر البهائي الطبري في كتابه «كامل بهائي»(10)- بالفارسيّة- نقلاً عن كتاب الحاوية(11)، رواية يقول فيها:
إنّ نساء أهل بيت النبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم، وقلن لهم إنّ آباءهم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين، قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين عليه السلام؟ فإنّي رأيته الساعة في المنام مضطرباً شديداً، فلمّا سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟ قالوا: رأس أبيك، ففزعت الصبيّة وصاحت فمرضت وتوفّيت أيّامها بالشام(12).
* القبر الموجود في الشام
قبر في دمشق الشام قرب الجامع الأمويّ يُنسب إلى السيّدة رقيّة بنت الحسين عليه السلام. قال السيّد الأمين في أعيانه تحت عنوان: «رقيّة بنت الحسين عليه السلام»: «يُنسب إليها قبر ومشهد مزور بمحلّة العمارة بدمشق، الله أعلم بصحّته»(13). وقد وقعت نسبة هذا القبر أيضاً إلى رقيّة بنت أمير المؤمنين عليه السلام، فقد حكى الشبلنجي في نور الأبصار هذا الأمر عن بعض الشوام. إلّا أنّ القرائن المختلفة لا تساعد على نسبة هذا القبر إلى رقيّة بنت الإمام عليّ عليه السلام، ونرجّح أن تكون صاحبة هذا القبر إحدى بنات الإمام الحسين عليه السلام، وذلك:
أوّلاً: أنّ للسيّدة رقيّة بنت الإمام عليّ عليه السلام قبراً يُنسب إليها في مصر، فقد ذكر الشبلنجي ذلك في نور الأبصار نقلاً عن الشعراني في المنن الكبرى.
ثانياً: إنّ تعدّد اسم رقيّة في بنات أمير المؤمنين عليه السلام وإن كان وارداً كما لفت إليه الشبلنجي(14) وذكره المفيد وغيره أيضاً(15)، إلّا أنّه لا يفيد في إثبات هذا القبر إليها، وذلك لما يأتي:
1. لم يثبت لدينا أنّ رقيّة بنت أمير المؤمنين عليه السلام قد كانت في ركب السبايا الذي قدم إلى الشام، كما تقدّمت الإشارة إليه.
2. لم نعثر على من ذكر وفاة بنت لأمير المؤمنين عليه السلام في الشام.
3. بناءً على ما ذُكر سابقاً، فمن البعيد أن تكون رقيّة الكبرى زوجة مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه). وأمّا أن تكون رقيّة الصغرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام، والتي ذكر بعضهم أنّها ماتت دون البلوغ(16)، فمستبعد، ذلك أنّ قرب هذا المكان المدفونة فيه من الجامع الأمويّ، يرجّح أنّ هذه الطفلة المتوفّاة في الشام كانت مع ركب الإمام الحسين عليه السلام، والذي جاء في الخبر أنّ يزيد -لعنه الله- أمر بهم إلى منزل لا يكنّهم من حرّ ولا برد فأقاموا فيه حتّى تقشّرت وجوههم(17). ووقعة الطفّ كانت سنة إحدى وستّين كما هو معلوم، أي بعد أكثر من عشرين سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يحتمل ذلك لأنّها توفّيت صغيرة مع ركب الإمام الحسين عليه السلام في الشام. ولهذا، فالأرجح أن تكون إحدى بنات الإمام الحسين عليه السلام، وقد عُرفت باسم «رقيّة».
(*) باحث في السيرة.
1- لاحظ: الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 135.
2- لاحظ: مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 4، ص 77.
3- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، الشافعي، ص 69.
4- الأنساب، البيهقي، ج 1، ص 35.
5- النفحة العنبريّة في أنساب خير البريّة، اليماني، ص 46.
6- لباب الأنساب، مصدر سابق، ج 1، ص 355.
7- الصحيح من مقتل سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه، الشيخ الريشهري، ص 175- 176.
8- تحقيق در باره أول أربعين سيد الشهداء عليه السلام (فارسيّ)، القاضي الطباطبائي، ص 685.
9- الصحيح من مقتل سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه، مصدر سابق، ص 176.
10- كتاب كامل البهائي في السقيفة، لمؤلّفه الحسن بن عماد الدين الطبري. ويصف القمّي (رحمه الله) هذا الكتاب بأنّه عظيم الفائدة، وأنّ مؤلّفه انتهى من تأليفه سنة 675 للهجرة بعد أن استغرق جمعه نحو 12 سنة، وأنّ الشيخ المؤلّف كان لديه نسخ الأصول وكتب قدماء الأصحاب. فالكتاب من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها بشكل عام. (الفوائد الرضويّة، ص 111-113).
11- ذكر الشيخ القمّي (رحمه الله) في الفوائد الرضويّة -بالفارسيّة- ص 112، أنّ كتاب الحاوية مؤلّفه: قاسم بن محمد المأموني.
12- انظر: نفس المهموم، القمّي، ص 456.
13- أعيان الشيعة، السيّد الأمين، ج 7، ص 34.
14- نور الأبصار، مصدر سابق، ص 195.
15- الإرشاد، مصدر سابق، ج 1، ص 354.
16- مشاهد الصفا، مصدر سابق، ص 18.
17- الملهوف، ابن طاووس، ص 82.