مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

إلى كل القلوب | بالمعادلة الذهبية تحقّق التحرير الثاني


سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)


نحن نعلم أنّه في الأعوام القليلة الماضية، كان ثمّة خطر داعشيّ كبير وعظيم يتهدّد لبنان كلّه، وخصوصاً منطقة البقاع، نتيجة التطوّرات الحاصلة في سوريا منذ سنوات. بالنسبة إلينا وإلى كثير من حلفائنا، كانت هذه المخاطر واضحة منذ اليوم الأوّل، وأعتقد أنّه بعد مرور كلّ هذه السنين، أصبحت الصورة أوضح.
من هنا، أدعو كلّ فرد لأن يطرح على نفسه هذا السؤال: ماذا لو انتصرت الجماعات التكفيريّة في سوريا والعراق؟ ماذا سيكون مصير كلّ المنطقة، بما فيها لبنان؟ وما هو مصير الشعب اللبنانيّ كلّه؟ وما هو مصير أولئك اللبنانيّين الذين كانوا يراهنون على انتصار هذه الجماعات في سوريا؟

* عناصر الإنجاز
إنّ عيد التحرير الثاني، الذي استطعنا فيه جميعاً أن نحرّر جرودنا وقرانا ومزارعنا وحقولنا وحدودنا مع سوريا من الإرهابيّين والجماعات التكفيريّة، هو مناسبة لاستقاء العِبر من الماضي للحاضر والمستقبل.

ثمّة بعض العناصر المهمّة التي يجب التوقّف عندها في ما يخصّ هذا الإنجاز:

* أوّلاً: سرعة اتّخاذ القرار من أهل المنطقة
إنّ سرعة اتّخاذ القرار في التصدّي لهذه الجماعات الإرهابيّة التكفيريّة، سواء داخل الأرض اللبنانيّة أو السوريّة، كان لافتاً جدّاً، لأنّه في ذاك الوقت، الحكومة اللبنانيّة كانت مرتبكة ولم تستطع أن تتّخذ قراراً. لكن أهل المنطقة، بما فيها من أحزاب، ومعهم المقاومة، اتّخذوا القرار سريعاً لبدء المعركة من داخل سوريا. وبكلّ بساطة، ما كان للتحرير الثاني أن يتحقّق لولا انتصارات الجيش السوريّ وحلفائه في كلّ المنطقة المحيطة بلبنان.

* ثانياً: حجم الاستجابة
إنّ حجم استجابة شباب المقاومة والبيئة الحاضنة لهذه المعركة كان كبيراً، فضلاً عن اندفاعهم، وحافزيّتهم، وحماستهم؛ إذ لم نحتج إلى أيّ خطاب تعبويّ. وأنا أؤكّد لكم أنّنا إذا أردنا اليوم أن نتّخذ قرار المشاركة في أيّ عمليّة كبرى جديدة في سوريا، تكفي فقط الإشارة إلى هؤلاء الشباب حتّى نراهم يتدفّقون إلى سُوح الجهاد، لأنّهم أصحاب رؤية وبصيرة وصدق وإخلاص.

في الواقع، في المعارك التي خضناها ضدّ جبهة النصرة وتنظيم داعش في الجرود، كانت أعداد إخواننا من المقاتلين تفوق حاجة هاتين الجبهتين.

لكن في المقابل، نجد أنّ جيش العدوّ يعاني من أزمة حقيقيّة عند قيادته وأركانه في استقطاب الشباب إلى الوحدات والألوية القتاليّة؛ لأنّ هؤلاء يفضّلون الذهاب إلى الوحدات غير القتاليّة، ذلك أنّ حافزهم تراجع، وروح التضحية لديهم بدأت تنعدم، ولم يعد ثمّة قضيّة يؤمنون بها أو لديهم أيّ استعداد للقتال من أجلها.

أمّا نحن، فقوّتنا في هذه الأجيال من شبابنا الصادقين المخلصين المستعدّين للتضحية والفداء، الذين يحملون دماءهم على أكفّهم، ويؤمنون أنّ كرامة شعبهم وعزّة وطنهم تستحقّان منهم كلّ هذه التضحية، وهذا ما كان يقف خلف التحرير الثاني، كما كان الحال في التحرير الأوّل.

* ثالثاً: التأييد الشعبيّ الكبير لهذا الخيار
إنّ الكثير من قواعد الأحزاب ونخبها التي كانت تناصبنا العداء في هذه المعركة، كانت تؤيّد حصولها، وهذا ما كانت تعبّر عنه في الاجتماعات المغلقة. أمّا في البيئة الحاضنة للمقاومة، فحدّث ولا حرج عن هذا الاحتضان؛ إذ لم يصدر من بيئتنا خلال سبع سنوات من القتال أيّ تأفّف أو تعبير عن الملل والتعب والانزعاج، بل ظهر المزيد من التأييد والاستعداد لمواصلة المعركة.

إنّنا نتحدّث هنا عن عوائل الشهداء، الذين قدّموا أبناءهم في زهرة شبابهم، والجرحى وعوائلهم، وكلّ هذه البيئة والعائلات التي احتضنت المقاومة وساندتها.

إنّ أعداءنا لا يعرفون أنّنا أبناء مدرسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي تقدّم إلى القتال مع كلّ إخوانه وأبنائه وأبناء عمومته في كربلاء، فكانوا يُقتلون أمامه واحداً تلو الآخر، ولم يتراجع لحظة واحدة على الإطلاق، لأنّه كان على يقين أنّه في موقع الحقّ.

نحن كنّا وما زلنا في موقع الحقّ، ومهما كانت التضحيات عظيمة لا يمكن أن تتزلزل لنا قدم، أو أن يرتجف لنا قلب، أو يهتزّ لنا عزم، أو يتسرّب الشكّ إلى عقلنا أو قناعاتنا.

* رابعاً: تكريس المعادلة الذهبيّة
إنّ معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” كانت قائمةً أيضاً في هذا التحرير الثاني. بالرغم من ارتباك الحكومة والقرار السياسيّ الرسميّ في الدولة اللبنانيّة في ذلك الوقت، الجيش أخذ الوضع الدفاعيّ وأثبت بطولةً وحضوراً وتضحيات وقدّم شهداء، إلى أن انتُخب فخامة الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة وشُكّلت حكومة جديدة، فنفّذ الجيش بقيادته وضبّاطه وجنوده وإمكاناته عمليّة فجر الجرود، وأثبت أنّه قادر على إلحاق الهزيمة بهؤلاء الإرهابيّين التكفيريّين، في الوقت الذي كان الجيش السوريّ والمقاومة يخوضان المعركة من الجانب السوريّ، وكان هذا الانتصار.

إذاً، بهذه المعادلة، وبالاستجابة الكبيرة لرجال المقاومة، وبالاحتضان العظيم لهذه البيئة الشعبيّة، وبالحضور الكبير للجيش الوطنيّ اللبنانيّ انطلاقاً من قرار رسميّ حاسم، وصلنا في مثل هذه الأيّام من شهر آب إلى التحرير الكامل، المنجز، العزيز، بلا منّة من أحد، لكامل حدودنا وجرودنا وأرضنا ومزارعنا وحقولنا، وتحقّق الأمن العزيز لشعبنا ولأهلنا في هذه المنطقة، وبالتالي، في كلّ لبنان.

* ماذا نستلهم من التحرير الثاني؟
إلى كلّ من يراهن على الخارج، وخصوصاً الولايات المتّحدة الأميركيّة، يعلّمنا التحرير الثاني أن نعود إلى شعبنا، وإرادتنا، وبيئتنا، وإمكاناتنا الذاتيّة، لأنّنا أقوياء. أمّا ما يجب أن نراهن عليه فهو شعبنا وإرادتنا وإيماننا واستعدادنا لتحمّل المسؤوليّة.

أيّها الشرفاء، يا أهل الشموخ الذين تصنعون الانتصار، مسؤوليّتكم في هذا الإطار أيضاً كبيرة جدّاً لنتمكّن وإيّاكم دائماً من أن نواجه كلّ محتلّ، وأن نصدّ كلّ غازٍ، وأن نقطع يد كلّ طامع، وأن نصنع كلّ انتصار في المستقبل الآتي.
 

*خطاب سماحته في الذكرى الثانية للتحرير الثاني في الهرمل، بتاريخ: 26-8-2018م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع