نقاء شيت
كفركلا، عروس القرى وقرية الزيتون، بلدة مناضلة، كثيراً ما سمعنا أخبارها خلال فترة النضال ضدّ العدوّ الصهيونيّ، وبتنا نسمع باسمها كثيراً في الآونة الأخيرة. هي جارة فلسطين المحتلّة، تقع عند حدودها الشماليّة، حيث يوجد ما يُعرف ببوّابة فاطمة. وبسبب هذا الموقع الجغرافيّ، قدّمت البلدة الكثير من التضحيات، حتّى باتت النقطة صفر في أيّ نزال أو معركة. وقد سطّرت في المعركة الأخيرة -طوفان الأقصى- تضحيات عظيمة على مختلف الأصعدة، وقدّمت قرابين فداءً لنهجها المقاوم.
نطلّ في هذا المقال على بعض المحطّات التاريخيّة التي مرّت فيها البلدة في صراعها مع الكيان الغاصب.
* مقاومة منذ الرصاصة الأولى
إنّ تاريخ كفركلا النضاليّ ضدّ الوجود الصهيونيّ في فلسطين المحتلّة حافل بالأحداث الكثيرة، وقد مرّ بفترات مهمّة للغاية، نذكر منها:
1. جبهة التحرير العربيّة: بدأ تاريخ كفركلا الجهاديّ منذ عام 1970م مع جبهة التحرير العربيّة، والتي ضمّت شباباً وشابّات من البلدة كانوا يدخلون إلى فلسطين المحتلّة لينفّذوا عمليّاتهم ضدّ الكيان الغاشم ثمّ يعودون للبلدة.
2. مواجهات مباشرة: احتدمت الأمور بعدها مع الكيان الغاصب وحصلت مواجهات عديدة داخل البلدة، قدّمت فيها كفركلا العديد من الجرحى، وارتوى ترابها بدماء الشهيد عبد الأمير حلاوي «أبو علي» سنة 1975م، بعد أن ألحق أهل البلدة خسائر فادحة بالعدوّ، كما يروي من شهد الواقعة آنذاك. وقد مُلئت حينها ساحة البلدة بدماء الجنود الصهاينة الذين لاذوا بالفرار مخلّفين وراءهم خيباتهم وأكواماً من الأسلحة قبل أن ينسحبوا بمساعدة الطائرات المروحيّة.
3. جيش سعد حدّاد: بعد عامين من الحادثة، دخل جيش سعد حدّاد إلى البلدة مدجّجاً بعتاد عسكريّ، محوّلاً كفركلا إلى منطقة عسكريّة، فتغلغلت الصهيونيّة بين عدد من ضعفاء النفوس ليفتكوا بالقرية عمالة وخبثاً. من هنا، كان للنضال منحى جديدٌ وقويٌّ عبر حركات المقاومة الشعبيّة التي بدأت تتزايد في الخفاء لتبذل قصارى جهدها في مواجهة أعداء الداخل والخارج.
4. تفجير مبنى إذاعة لحد: بدأت البلدة تشهد عمليّات عسكريّة، بحيث فجّرت المقاومة مبنى إذاعة صوت الجنوب التي كانت تنطق باسم سعد حدّاد العميل. وفي عام 1979م، استشهد المقاوم حمزة سليمان في محلّة عين الجوزة خلال تنفيذ عمليّة للحزب الشيوعيّ اللبنانيّ مع رفاقه.
* كفركلا خلال الاجتياح
عانت كفركلا كثيراً خلال الاحتلال الصهيونيّ، وفي ما يأتي، نذكر بعض المحطّات الأساسيّة التي شهدتها تلك الفترة:
1. الإقصاء والأسر: طرد العدوّ الصهيونيّ الكثير من الرجال والشباب من البلدة ومنعهم من الدخول إليها مطلقاً، لا سيّما أولئك الشرفاء الذين رفضوا الخضوع لهّ والتعامل معه. كما اقتيد كثير من أهل البلدة إلى معتقل الخيام ومعتقلات العدوّ في الداخل الفلسطينيّ، حيث عانوا وعائلاتهم شتّى أنواع العذاب والترهيب، ومع ذلك، لم يخضعوا للذلّ ولم يرضوا بالعمالة للغاصب المحتلّ.
2. عمليّة استشهاديّة: كما ارتوت البلدة عام 1988م بدماء الاستشهاديّ عبد الله عطوي «الحرّ العامليّ» من بلدة مركبا، والذي نفّذ عمليّة استشهاديّة عند بوّابة فاطمة حصدت نحو 100 قتيل وجريح من جنود العدوّ الصهيونيّ. ولحقها الكثير من العمليّات الجهاديّة وتفجير عبوات ناسفة واشتباكات بالرصاص الحيّ.
3. تحرير عام 2000م: استمرّ نضال أهل هذه القرية حتّى قطفوا ثماره يوم التحرير عام 2000م، يوم اندحر العدوّ الصهيونيّ عن أراضي القرى الجنوبيّة إلى ما بعد الشريط الشائك، وخرج أسرى معتقل الخيام إلى الحريّة، ليعود أهلها إليها بعد سنين من العذاب والإقصاء.
* موعد مع حرب تمّوز
بعد التحرير، عادت الحياة إلى كفركلا وأهلها، وصارت مقصد كلّ شريف يريد زيارة أرضٍ مقاومة والتعرّف عن كثب إلى كلّ تلك التضحيات العظيمة. كبر أطفالها وهم يرمون الحجارة عبر الشريط الشائك نحو آليّات الجيش الصهيونيّ المحتشدة عند الحدود مع فلسطين المحتلّة. أمّا رجالها فكانوا على خطّ النار يوم اندلعت حرب تمّوز عام 2006م، فتصدّوا لهجمات العدوّ وكانوا له بالمرصاد، فلم يتمكّن طوال 33 يوماً أن يتقدّم شبراً واحداً إلى داخل البلدة.
وكما كان الحال في فترة الاجتياح، كان للنساء دور هام في تلك الحرب لناحية تأمين الطعام والاسعافات الأوليّة والمساندة المعنويّة أيضاً. وقد قدّمت البلدة شهيداً على أرضها من شباب المقاومة اللبنانيّة (أمل)، هو الشهيد إبراهيم مهنا، وآخر على أرض الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وهو الشهيد يوسف حسن الحاج.
انتهت حرب تمّوز وكان النصر حليفنا. ومنذ ذلك الوقت، صارت كفركلا تشكّل رعباً للعدوّ، الذي قرّر أن يبني جداراً عازلاً مكان الشريط الشائك بين الحدود اللبنانيّة والفلسطينيّة، حاجباً الرؤية عن جمال فلسطين، إلّا أنّ شباب البلدة لم يتوانوا عن الرسم على الجدار في كلّ مناسبة، حتّى يبقى رمزاً للعبور يوماً ما إلى القدس الشريفة.
* لمستها في حرب سوريا
توالت السنين، وبدأت الحرب في سوريا. وكما الكثير من البلدات، كان لكفركلا حصّتها في تقديم خيرة الشباب على أرض سوريا العزيزة. وفي ما يأتي، نذكر أسماء شهداء البلدة في حرب الدفاع عن المقدّسات:
- الشهيد حسن علي حلاوي - الشهيد جعفر نايف حلاوي
- الشهيد إسماعيل نايف حلاوي - الشهيد ربيع محمود فارس
- الشهيد علي محمّد فقيه - الشهيد مصطفى بسّام شيت
- الشهيد عبّاس حسين حمّود - الشهيد فضل عبّاس فقيه
* طوفان الأقصى
كبرت كفركلا، وكبر صغارها حتّى صاروا رجالاً أشدّاء على العدوّ، وصارت فيها المقاومة رمزاً للتصدّي وعنواناً للشرف، حتّى سُمّيت لاحقاً بمدينة «الحسين عليه السلام» لكثرة ما أثمرت عزيمةً في إحياء مراسم العزاء الحسينيّة في كلّ عام.
جاء طوفان الأقصى، وأصبح الجنوب مكاناً لإسناد غزّة، فكانت كفركلا على العهد دائماً كغيرها من القرى الجنوبيّة، للتصدّي والمواجهة، فصبرت وصمدت أمام همجيّة العدوّ وعدوانه والدمار الكبير الذي ألحقه بها، وقدّمت في هذه الحرب من أهلها الشهيدَين المدنيّين الشهيدة الحاجة لائقة سرحان، والشهيد حسن علي طويل. أمّا على صعيد مجاهديها، فقد تسابقت العائلات في تقديم التضحيات، وهم ثلّة من الشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس:
- الشهيد محمّد نجيب حلاوي - الشهيد محمّد علي بسّام شيت
- الشهيد حسين أحمد يحيى - الشهيد جهاد موسى شيت
- الشهيد موسى حسن شيت - الشهيد خضر علي مهنا
- الشهيد حسين حسن حلاوي - الشهيد علي عبد الرحمن جمعة
- الشهيد عبد الأمير حسن حلاوي - الشهيد سامح أسعد يحيى
- الشهيد محمّد داوود شيت - الشهيد محمّد جميل الشامي
- الشهيد وسيم موسى موسى - الشهيد فرج الله علي حمّود
إنّها كفركلا، واحدة من قرى الصمود والتضحية والمواجهة، التي لن نستطيع إيفاءها حقّها في مسيرة النضال ضدّ العدوّ الصهيونيّ الغاشم.