إنّ إحياء ذكرى شهداء كربلاء في شهر المحرّم من كلّ عام، وتكرار هذا الأمر بصورة متواصلة منذ قرابة ألف وثلاثمئة عام، ليس من التكرارات المملّة، بل إنّه من التكرارات اللازمة والمفيدة لحال مجتمعنا وحاضرنا ومستقبلنا.
* انتبهوا إلى جوهركم
في ما يخصّ الشهداء، إنّ إحدى مسؤوليّاتنا أن نكون متنبّهين إلى ذواتنا وجوهرنا. علينا ألّا ننسى هويّتنا، يقول الله المتعالي للذين نسوا ذكره: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ (الحشر: 19)؛ لقد نسوا الله فأغفلهم تعالى عن أنفسهم وابتلاهم بنسيانها. هذا إنّما يثبت أنّ الالتفات إلى الذات والهويّة والخصائص الذاتيّة أمرٌ ضروريّ لأيّ شخص وشعب وجماعة.
إنّ خصوصيّة طلب الشهادة والبروز في التضحية ليست مقتصرةً على الحرب المفروضة ومرحلة «الدفاع المقدّس»، بل كانت قبل انتصار الثورة الإسلاميّة واستمرّت إلى اليوم.
* بعض التوصيات
لذلك، أوصيكم أنْ:
1. لا تسمحوا بأن يخمد فوران دماء الشهداء: إنّ ذكرى الشهداء ليست مجرّد عودة إلى الذكريات، بل ينبغي أن تنعكس وتسري تلك التقوى والتضحية والشجاعة وذاك الجوهر الوجوديّ اللامع الذي يسوق الشهداء إلى وسط الميدان، وأن يُقدموا قدوةً إلى الجيل الجديد. شبابنا يحتاجون إلى القدوة، وهؤلاء هم أفضل القدوات. بعض الشعوب خالية الوفاض إلى حدّ كبير من هذه الناحية، وهي تعمد إلى اصطناع القدوات وتزيّفها دون أن يكون لها وجود حقيقيّ، في حين أنّ القدوات في مجتمعنا ماثلة أمامنا.
2. أبرزوا حياة الشهداء الاجتماعيّة: يجب ألّا يُنظر إلى الشهداء في ميدان الحرب حصراً، بل أيضاً في الخطوط الخلفيّة، وفي الجامعة، وفي نشاطاتهم خلال المراحل المختلفة. علينا حين نصنع الأفلام وننظم الأشعار ونؤلّف الكتب وندوّن المذكرات وننشرها، أن نلاحظ انعکاس هذه الروحيّة في كل تلك الميادين؛ لأنّها بنّاءة. وكما قلت في البداية: الأمر مثل إحياء مجالس العزاء لسيّد الشهداء عليه السلام، أي كما أنّكم تحيون المناسبة في كلّ عام وكأنّما عاشوراء عام 61 للهجرة ماثلة أمامكم، فتظهر الأحداث وتحيا الشخصيّات أمام أعين المستمعين، يجب أن يحدث هذا الأمر نفسه مع شهداء «الدفاع المقدّس» وغيرهم من الشهداء.
3. لا تنسوا عائلات الشهداء: مع الأسف، رحل كثيرون من الآباء والأمّهات من هذه الدنيا والتحقوا بشهدائهم، فلتستفيدوا من ذكريات أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة، سواء أكانوا زوجات الشهداء أم آباءهم وأمّهاتهم، وكذلك زملاء الشهداء ورفاقهم. لا تقتصر الشجاعة على الحرب والسيطرة على النفس، بل تشمل أيضاً التحدّث والصمت والإمساك والمبادرة في شؤون حياتهم. هذه كلّها على درجة كبيرة من الأهميّة. ثمّة بعض الذين رأوا الشهداء عن كثب وعرفوهم، يجب أن يُستفاد منهم وأن تُجرى المقابلات والحوارات معهم، وأن تُسجّل أحوال شهدائهم على هيئة وثائق حقيقيّة وأن تُعرف.
4. اكتشفوا مقدّمات عروج الشهداء: أي أولئك الذين أطلقوا الشرارات الأولى، مثل الشهيد قاضي الطباطبائي، إذ كان سماحته من أقدم على الخطوة الأولى في قضايا الثورة الإسلاميّة ودعا الناس إلى حيّه ومسجده. فيجب أن تُعرف المقدّمات، وأين وقعت الحركة الأولى في مدينة ما وليس في المدينة الفلانيّة، فما السّبب؟ ما الذي يميّز أصحاب الشرارات الأولى كي ينشأ على أيديهم الشباب ويقدّموا الشهداء هكذا؟ هذه أمورٌ مهمّة للغاية، أي الهويّة القوميّة والوطنيّة والدينيّة. إنّ المرحوم ستّار خان مثلاً، كان يملك في جيبه ورقةً من علماء النجف في قضايا الثورة الدستوريّة وتلك الأحداث والخطوات التي أقدم عليها، أي كان قد استفتاهم وسألهم وأجابوه أيضاً، فكان يتحرّك بهذه النيّة. هذا مهمّ للغاية. ما هي مقدّمة الحركة؟ فليتّضح هذا لأنّه إذا اكتملت هذه الأمور، فحينئذ ستستمرّ الحركة.
كما أنّ أحداث الحرب ومجرياتها أمور جديرة بالاهتمام وتنطوي على أهميّة كبيرة جدّاً، ويجب أن ترسّخ في الأذهان، وأن تُحفظ في الذاكرة التاريخيّة للشهداء والثورة والتضحيات. إنّ أهمّ عمل حقّاً هو أن تُسجّلَ هذه الأحداث المهمّة والظواهر المؤثّرة التي قلّ نظيرها في بعض الحالات، وأن يعرفها شبابنا وفتياننا، وأن ننشرها عبر الأجهزة الإعلاميّة الرسميّة كمؤسّستي الإذاعة والتلفزيون وأمثالهما، أو عبر الوسائل المتوفرة للناس اليوم وفي متناول أيديهم.
(*) من كلمة لسماحته دام ظله، بتاريخ 6/12/2023م.