مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا | هكذا يحيا الموقنون بالله*


الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب قدس سره


إذا شمل لطفُ الخالق سبحانه عبداً، وأفاض على قلبه نور اليقين بحيث يضيء جميع جنبات قلبه، فإنّه يطهر من جميع الرذائل ويتحلّى بجميع الأخلاق الفاضلة: ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ (الفرقان: 70). كذلك، إنّ صاحب اليقين يعلم أنّ جميع الأمور بيد الله القادر، وكلّ ما لم يقع فلأنّه سبحانه لا يريده، وكلّ ما وقع فلأنّه أراده. وهو أيضاً يعلم أنّ الله حكيم رؤوف، ولذا، فهو لا يحزن لعدم وقوع ما كان يحبّ وقوعه. أليس بذلك يكون تحصيل اليقين غايةً نفيسة؟!

* نموذج لأهل اليقين
قال إسحاق بن عمّار: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شابّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه (أي يغفو) مصفرّاً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقناً، فعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله وقال: إنّ لكلّ يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نُصب للحساب وحُشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان، ثمّ قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشابّ: ادع الله لي يا رسول الله أن أُرزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر»(1).

* الحبّ والقرب
عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عز وجل: تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، (...) إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته»(2).

يشرح العلامة المجلسي هذا الحديث بقوله: «هذه التعبيرات مبالغة في القرب، وبيان لاستيلاء سلطان المحبّة على ظاهر العبد وباطنه وسرّه وعلانيَته، فالمراد والله أعلم: أنّي إذا أحببت عبدي جذبته إلى محلّ الأنس، وصرفته إلى عالم القدس، وصيّرت فكره مستغرقاً في أسرار الملكوت وحواسه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت، فيثبت حينئذٍ في مقام القرب قدمه، ويمتزج بالمحبّة لحمه ودمه إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسّه، فيتلاشى الأغيار في نظره حتّى أكون له بمنزلة سمعه وبصره كما قال من قال:

جنوني فيك لا يخفى
وناري منك لا تخبو

فأنت السمع والأبصار
والأركان والقلــــب»(3).

• علامات اليقين
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «يستدلّ على اليقين بقصر الأمل، وإخلاص العمل، والزهد في الدنيا»(4).

وقد روي عنه عليه السلام أنّ الصبر والزهد والصدق والرضى ثمرة اليقين، أي أنّ شجرة اليقين الطيّبة عندما تُزرع في أيّ قلب فإنّ ثمرتها هذه الصفات الفاضلة والملكات الحميدة.

• الآثار العظيمة لليقين
قال الإمام الصادق عليه السلام: “اليقين يوصل العبد إلى كلّ مقام سنيّ ومقام عجيب. كذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عظيم شأن اليقين حين ذكر عنده أنّ عيسى ابن مريم كان يمشي على الماء، قال: لو زاد يقينه لمشى في الهواء»(5) .

1. الراحة في اليقين والهمّ في الشكّ: قال الصادق عليه السلام: « إِنَّ اللَّه بِعَدْلِه وقِسْطِه جَعَلَ الرَّوْحَ والرَّاحَةَ فِي الْيَقِينِ والرِّضَا وجَعَلَ الْهَمَّ والْحَزَنَ فِي الشَّكِّ والسَّخَطِ»(6). ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (الحديد: 22 – 23).

يُعلم من هذه الآية الشريفة أنّ أهل اليقين كما أنّهم لا يحزنون على أيّ شيء لا يحصلون عليه أو يخسرونه، فإنّهم لا يفرحون ولا يتكبّرون أو يصيبهم العجب لما يحصلون عليه لأنّهم يعرفون أنّهم عبيد الحقّ تعالى، وكلّ ما لديهم ملكه، ولا يرون لأنفسهم أيّ استقلال في مقابله كي يعتريهم الكِبْر أو يصيبهم العُجْب.

2. الاطمئنان في جميع الأحوال: وصاحب اليقين أيضاً لا يعرف الاضطراب إلى نفسه سبيلاً مهما كانت النوازل والمصائب لأنّه لا يرى نفسه وحيداً، ويعتقد أنّ جميع الأمور من الله فلا يفسح مجالاً لأيّ قلق، بل يكون في قمّة الأمن والاستقرار ينتظر ما يفعل به الخالق العالم القادر. هو يعلم أنّه لا يحدث شيء في الكون إلّا بإرادة الله التي لا تقضي إلّا بما فيه الخير والصلاح، ولذا، فإنّه مطمئن، وهذا السبب هو الذي يجعل المرض والصحّة، العزّة والذلّة، الثراء والفاقة، الرفعة والضعة، المدح والذمّ، الحياة والموت، كلّها سواء عنده. حقّاً، إنّ السعادة والاطمئنان الواقعيّين في الدنيا والآخرة ليسا إلّا لأهل اليقين: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾(الأنعام: 82)، ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (الفتح: 4).

فإنّ الاطمئنان والاستقرار والأمن وراحة القلب كلّها من آثار اليقين، كما أنّ الوحشة والاضطراب والحزن والهمّ من آثار الشكّ.

3. لا يخشى إلّا الله ولا يرجو غيره: صاحب اليقين كذلك لا أمل ولا طمع له في أيّ مخلوق، ولا يخشى أيّ أحد، إنّ خوفه فقط من ذنوبه، كما أنّ أمله فقط بعطاء ربّه وفضله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ (آل عمران: 173 – 174).

* قيمة العمل باليقين
ينبغي الانتباه إلى أنّ مقامات الآخرة ودرجاتها هي بحسب اليقين ومراتبه، وكذلك إنّ الأجر والثواب على قدر العبادات، أي كلّما كان يقين العابد أقوى كلّما كان ثوابه أكثر وقيمة عمله أهمّ، قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين»(7) .

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنّ الضارّ النافع هو الله عزّ وجلّ»(8).


(*) مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 1، ص 250 - 258.

(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 53. وفي حديث آخر في المصدر نفسه أنّ هذا الشابّ هو حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاريّ.
(2) المصدر نفسه، ج 2، ص 352.
(3) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي، ج 10، ص391.
(4) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص 555.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 67، ص 179.
(6) الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 57.
(7) المصدر نفسه، ج 2، ص 57.
(8) المصدر نفسه، ج 2، ص 58.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع