مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏*

 

منذ صدر الإسلام وحتّى الآن، كان ثمّة طريقان أو خطّان: الأوّل هو خطّ الأشخاص الطالبين للراحة، الذين كان همّهم أن يجدوا شيئاً يأكلونه وينامون، ومن كان مسلماً منهم كان يعبد الله فقط، في حين أنّ الأولويّة لديهم كانت الراحة. أمّا الثاني فهو خطّ الأنبياء والأولياء العظماء، الذين كرّسوا كلّ حياتهم لمواجهة الظلم.

* طالِبو الراحة
نعم، لقد كان مثل هؤلاء الناس في الفئة الأولى موجودين في صدر الإسلام. وعندما أراد سيّد الشهداء عليه السلام أن يسافر سفره العظيم، كان بعضهم يقول له: لماذا تريد السفر؟ أنت هنا آمن ومرتاح. وبعضهم كان يصعّب الأمور عليه ويختلق المشاكل ويقول له: أنت في مواجهة قوّة كبيرة، فلماذا تريد للقلّة أن ينهضوا ويثوروا؟

لقد شهدنا منذ بدايات النهضة الإسلاميّة وجود مثل هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يعدّون الراحة أَولى أولويّاتهم، وكانوا ينظرون إلى الصلاة والصيام على أنّهما تكليف شرعيّ يقومون به، ومن ثمّ يجلسون في منازلهم ويفكّرون ويتحدّثون ويستغيبون بعض الأشخاص، ويلصقون التُّهم ببعضهم الآخر في مجالسهم.

في ذلك الوقت حين كانت النهضة في إيران في بدايتها، وصف أحد الأعيان البارزين أفراد الثورة بأنّهم قد جُنّوا! نعم، لقد اصطُلح على القيام في وجه الشاه وعلى الوقوف في وجه الظلم بالجنون. وقد قال له تاجر حينما سمع منه هذا الكلام: إنّ بعض هؤلاء الناس الذين تتحدّث عنهم قد استشهدوا. فأجابه بأنّهم «فعلوا هذا لغبائهم؛ فالعاقل لا يخرج إلى الشارع ليقف أمام بندقيّة». هذا الشخص أهدى الشاه خاتماً تهنئةً على سلامته حين كان شبابنا يستشهدون في الشوارع! لقد كان من فئة الناس الذين عبّر عنهم أمير المؤمنين عليه السلام بأنّهم كالدوابّ؛ همّها علفها وأن تملأ بطونها، هذه الفئة تفضّل شهواتها على كلّ شي‏ء.

* المؤثّرون المغيّرون... مجاهدون
أمّا الفئة الثانية فكانت فئة الأنبياء والأولياء العظماء. عندما نقرأ تاريخ الإسلام وحياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ندرك أنّه منذ اللحظة الأولى التي أوكلت فيها الرسالة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وحتّى لحظة شهادته، كانت كلّ أعماله وفعاليّاته تتركّز على الحرب أو الدفاع. ومن يطّلع على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام يجد أيضاً الشي‏ء نفسه، إذ كانت حياته كلّها جهاداً في طريق الله وفي طريق أحكامه تعالى. وكذلك كان بقيّة الأئمّة الأطهار عليهم السلام، وعلى رأسهم سيّد الشهداء عليه السلام، فلو كان تفكيره مثل بعض المتظاهرين بالتقديس ممّن عاصروه لَما حصلت كربلاء، ولو كان يفكّر بالراحة والاعتزال عن المجتمع، لَما كان حال الشيعة على ما هو عليه اليوم؛ ولذلك نفهم لماذا سُجن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لسنوات عدّة ونُفي بعض الأئمّة عليهم السلام وسيقوا إلى محلّ إقامة الحاكم؛ فهم لم يكونوا أناساً عاديّين يدرسون ويدرّسون ويعبدون الله فحسب، وإنّما كانت لهم مهامّ وأدوار أخرى.

الجهاد نهجُ حياة
لقد رأيت على مرّ هذه الثورة أشخاصاً كانوا مصلّين وملتزمين، ولكن حينما وقعت الهجمات الأولى التي قام خلالها الجهاز الأمنيّ بأسر بعض الشباب وتعذيبهم، اختار أولئك طريق السكوت والجلوس جانباً، وبعضهم لم يسكت ولكنّه جلس بعيداً أيضاً، أي أنّه وافق على ما يقوم به النظام، فيما هيّأ آخرون أنفسهم منذ البداية لمواجهة الظلم. هؤلاء أدركوا أنّ المواجهة لها ثمن ويجب أن يبذلوا أنفسهم في طريقها، فسُجن منهم كثيرون وتعرّضوا للتعذيب، وحينما كان يُطلق سراحهم كانوا يعودون إلى المواجهة ثانية؛ هذا لأنّهم كانوا يمثّلون نهجاً رسمه الأنبياء منذ زمن بعيد.

* تاريخ التشيّع: المواجهة
لا يجوز أن نتخيّل أنّ القوى العظمى قد كفّت يدها عنّا. الأمّة التي تريد أن تعيش مستقلّةً غير خاضعة ولا راضخة لأيّ دولة أخرى ولا تحت سيطرة أيّ قوّة، يجب أن تكون مهيّأة ومستعدّة لأيّ شي‏ء. فإذا أرادت هذه الأمّة الراحة، فقد كان عهد الشاه محمّد رضا أنسب وقت للراحة. ولكن هل يا ترى هذا هو الواجب؟ هل يا ترى سيتمكّن الإنسان أن يقدّم الأعذار الواهية أمام الله؟ هل يمكن أن نختار طريق الراحة ونترك طريق الإسلام وطريق الأنبياء ونكمل حياتنا على الطريقة الحيوانيّة؟! تلك الحياة التي اختارها بعضهم لأنفسهم حينما كان شبابنا في الجبهات، هؤلاء كانوا يجلسون مرتاحين وينعتونكم بالمجانين! فليجلسوا جانباً وليتحدّث مفكّروهم وليطلقوا الادّعاءات وليدينوكم! يظنّون أنّ شعبنا قد ثار من أجل هذا الشخص أو ذاك؟ أقول لهم: افعلوا ما شئتم، فالمذهب الشيعيّ والمذاهب الإسلاميّة قد عاشت مثل هذه الأمور من قبل، والمذهب الشيعيّ هو مذهب المواجهة، وهذا باقٍ حتّى النهاية. لم تكن الوسائل المساعدة لهذه النهضة متوفرة سابقاً، ولكنّها حينما أصبحت جاهزة، قام هذا الشعب وانتفض بقوّة. إنّ صوت الأمّة سوف يعلو أكثر، وسوف تحكم قبضتها أكثر، وسيقوى عزمها أكثر وأكثر. فالأمّة التي فيها أمّ شهيد تقول: «لديّ أبناءٌ آخرون وأنا مستعدّةٌ لأقدّمهم للشهادة»، والأمّة التي يصلّي شبابها على الجبهات صلاة الليل، وقد وضعوا الحياة وراحة العيش جانباً، هل تعتقدون أنّها ستتقاعس بقتلكم أبنائها؟! أنتم مخطئون، لا أحد يستطيع أن يقف في وجه مثل هذه الأمّة.

*خطاب للإمام الخمينيّ قدس سره، بتاريخ 26 شعبان 1401ه. صحيفة الإمام، ج ‏14، ص 406- 414.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع