مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تسابيح جراح | يوم استجاب الله دعائي


لقاء مع الجريح المجاهد حسين تامر جعفر (ماهر)
حنان الموسويّ


على شفير الموت مشيت. لم أستطع الصبر على حصار مجاهدَين اثنين أعلى التلّة، كانا في مرمى نيران قنّاصٍ خبيث، فيما تقوم مجموعات التكفيريّين بالالتفاف خلف التلّة لإسقاطها وأسرهما. رميت مجموعة المسلّحين بسلاح الـ BKC فقضيت عليهم، ثمّ انضممت وباقي المقاومين إلى المجاهدَين في أعلى التلّة الجرداء. في خضمّ الاشتباك، بينما كنتُ أغيّر موقعي، استهدفنا داعشيٌّ بقذيفة هاون، أصابت شظاياها رئتيّ وعمودي الفقري، وعصف بي انفجارها.

* تأثّرٌ بالغ
ولدت في قرية "مراح العين" قضاء الهرمل. تأثّرت بخطّ المقاومة في عدوان تموز عام 2006م؛ بسبب حضور الإخوة المجاهدين في منطقةٍ قريبة، وكنت أسمع حديث جدّي وأبي عن المقاومة، وكيفيّة نشأتها وضرورة الحفاظ عليها، فقرّرت الانتساب إلى صفوف المجاهدين. بعدها، انتقلنا إلى قرية وادي العرايس عند الحدود السوريّة، ووفقني الله لأشارك في الدورات الثقافيّة والعسكريّة والترفيهيّة والرياضيّة. وحين اندلعت الحرب في سوريا، توفّقت للالتحاق بالمجاهدين.

* مرارة الصبر
في 10/6/2013م، قبل تحرير مدينة القصير بثلاثة أيّام، انتقلنا إلى مطار الضبعة في ريف القصير، دعمنا إحدى النقاط شمال المطار، لحمايتها من المجموعات المنسحبة من القصير. بقيت هناك خمسة أيّام، لكن بسبب الأتربة والدخان المنبعث من الدبّابات تضرّرت شبكة عيني اليُسرى، ففقدت البصر فيها. راجعت الطبيب بعد عودتي من المهمّة، وكان من الضروريّ إجراء عمليّة رتقٍ لشبكيّة العين، فمنعني من حمل وزنٍ يزيد عن 2 كيلو لمدّة سنة. تجرّعت مرارة الصبر لستّة أشهر فقط، وبعدها، تابعت العمل في البقعة حتّى عام 2014م.

* حصار واشتباك
في 10/6/2014م، انتقلت إلى منطقة عمليّات النبي سريج القريبة من بقعتنا. بقيت ستّة أيّام في إمرة المجموعة الثامنة، حيث جهّزنا الهجوم على التلال المشرفة على بلدة رنكوس في الريف الشمالي. حوصر مجاهدَان بعد أن وصلا إلى نقطة الرصد التابعة للمسلّحين وخاضا اشتباكات معهم، فطلبت من مسؤول المجموعة الالتحاق بالنقطة المحرّرة بعد تأمينها، وعند اقترابي مسافة عشرة أمتار من النقطة لأساند الإخوة، أحسست بحركةٍ غريبةٍ حولها، وحوصِرت بنيران مدفعيّة الأعداء في وادٍ منعزلٍ، فحاولت الاحتماء بجرفٍ صخريّ، ونثرت الأحجار حولي لأحمي نفسي من القصف، وتأكّدّتُ عبر الجهاز من مسؤول المجموعة من عدد الإخوة في النقطة لتجنّب رماية أحدهم عن طريق الخطأ. رميتُ أربعةً من الدواعش يبتعدون عنّي قليلاً، بسلاح الـ BKC الذي في حوزتي وأرديتهم، ثمّ توجّهت إلى تلّة شديدة الانحدار، كان الوصول إليها صعباً جدّاً. تضاعف التعب مع حمل الأوزان، ما اضطرّني للاستراحة مرّات عدّة. بعد وصولي، تبعني باقي المجموعة، وطُلب منّي تثبيت الـ BKC على التلّة حيث بدأنا الاشتباك من جديد مع المسلّحين.

عددنا القليل لم يمنعنا من الاشتباك، ومع وجود قنّاص يرصد تحرّكاتنا، زاد إحداق الخطر بنا، لذا، استهدفته وأصبته في بطنه.

* نزفُ الحبّ
أُمرتُ بالانتقال مسافة قصيرة وسط الاشتباك، وعند محاولتي الوقوف لأخذ سلاحي الفرديّ، استهدفنا العدو بقذيفة هاون تساقطت شظاياها كزخّ المطر. صرختُ "يا عليّ" بصوت عالٍ، وتصاعد الدخان من فمي وصدري الذي نفذت فيه شظيّة اخترقت رئتي، وشظيّة أخرى استقرّت في عمودي الفقريّ ساحقةً بعض فقرات ظهري، فأحسست بأنّ قدميّ قد بُترتا.

صرت كريشةٍ في مهبِّ الريح. ترنّحت قليلاً وكدت أقع من أعلى التلّة، إلّا أنّي استعنت بالصخور متمسّكاً بها. هرع إليّ الأخ الذي بقربي وبدأ بفحص جسدي، فلم يجد أثراً للإصابة، وكلّما حاول حملي أحسست بضيقٍ في التنفّس. مدّد الأخ قدميّ فتدفّق الدم من فمي ولاحت لي علامات الشهادة. وبعد مضيّ نصف ساعة أصيب بعض المجاهدين، فلم يبقَ سوى خمسة منّا يواصلون الاشتباك.

* ألمٌ مذخور
نُقلت في الإسعاف ممدّداً على بطني مربوط القدمين إلى مستشفى ميدانيّ قرب منطقة الطفيل. حافظت على وعيي رغم النزف الحادّ من فمي، وفور وصولي بدأ الأطبّاء بالإسعافات الأوليّة، ثمّ شقّوا صدري وعنقي لتأمين مجرى التنفّس وإفراغ الرئة من الدم.

التقيت بجاري المجاهد، طلبت منه الاحتفاظ بمحفظتي وأوراقي الثبوتيّة، وبعدها، نُقلت إلى مستشفى دار الأمل ومنه إلى مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم . بقيت في غرفة العناية المركّزة تسعة أيّام ما بين الوعي والغيبوبة، حيث خضعت لجراحة خطرة لترميم الرئة، وقد تمزّق النخاع الشوكيّ ما سبّب لي شلَلاً نصفيّاً. وصل خبر إصابتي إلى عائلتي، فتوجّهوا مباشرة إلى مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم محتسبون صابرون راضون بقضاء الله وبالخطّ الذي أنتمي إليه، وقد أشرفوا جميعاً على رعايتي. مكثتُ في المستشفى 29 يوماً، ثمّ خضعت لاختبارات طبيّة وفيزيائيّة عدّة. وبقيتُ أتابع وضعي الصحيّ مع الأطباء. أمضيت هذه المدّة في قريتي، وخسرت الكثير من وزني، فلم يتوقّع أحد بقائي حيّاً. وبعد افتتاح مركز التأهيل في البقاع، انتقلت سريعاً إلى بعلبك بعد أن استأجرت المؤسّسة منزلاً لي لمتابعة تأهيلي، مكثت فيه عاماً، وصرت أتنقّل بين بعلبك وقريتي، إلى أن عدتُ إليها بشكلٍ دائم.

* رغبةٌ ملحّة وكلمات حبٍّ
في إحدى خلواتي مع الله، لم أطلب منه سبحانه الشهادة، بل أن يرزقني إصابة أحملها طيلة عمري، يرافقني أثرها حتّى ألقاه، وأحمل أجر صبري عليها، وأحمده لأنّه استجاب دعائي.

رغم فيض آلامي وجراحي، ما زلت عاجزاً عن إدراك حق المواساة للإمام الحسين عليه السلام ولأبي الفضل العبّاس عليه السلام. لم يساورني الندم لحظةً، وأعلم أنّ إصابتي هي كفّارة لي عن أيّ ذنب كنت قد اقترفته، وأسأله تعالى أن يجعل روحي مع السعداء في الملكوت.

إنّني أحمد الله الذي منَّ علينا بسماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) أميناً على الأرواح المقاوِمة، والذي يعدّنا نحن الجرحى أولاده، أعانه الله على هذه المسؤوليّة الكبيرة، وأطال عمره. وأقول لسماحته: إنّني ما زلت أدّخر نفسي للقيام بأيّ عملٍ يخدم خطّ المقاومة.

أمّا مؤسّسة الجرحى، فمن الصعب أن نوفيها حقّها، فالمعنيّون فيها لا يتردّدون في تأمين أيّ طلب لنا على صعوبته، وأشكرهم جميعهم من مديرها إلى كلّ العاملين فيها على الجهود المضنية التي يبذلونها في سبيلنا.


اسم الجريح: حسين تامر جعفر.
الاسم الجهاديّ: ماهر.
تاريخ الولادة: 23/12/1993م.
مكان الإصابة وتاريخها: رنكوس 16/6/2014م.
نوع الإصابة: شلل نصفيّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

العراق البصرة

ابومريم الحسيني

2024-03-12 09:23:22

ربي يوفقك ياطيب ويثبتك حتى آخر الانفاس