مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الحرب الإسرائيليّة على العقيدة المهدويّة

د. أحمد الشامي
 

لافتٌ هذا المستوى الذي بلغته السرديّة اليهوديّة في وعي أتباعها، فهم يدّعون أنّهم شعب الله المختار، الذين اختصّهم دون سائر البشر ليكونوا النموذج البشريّ الخالص والمعبّر عن مشروع الله العالميّ في الحياة(1). ووفق ادّعائهم لهذا الاحتكار، راحوا يجاهرون في امتلاك الحقّ المقدّس لنفي من يعارض سرديّتهم هذه، ولو كان من بني إسرائيل، فكيف إذا كان استمرار المشروع وخلاص البشريّة سيتحقّق على يديّ من ليس منهم؟

* البداية مع نبيّ الله عيسى عليه السلام 
أوّل مظاهر احتكار اليهود للمشروع الإلهيّ تمثّل في إصدار أحبارهم حكماً قضائيّاً من محكمتهم الدينيّة العليا (السنهدرين) بوجوب قتل نبيّ الله عيسى ابن مريم عليهما السلام، تحت ادّعاء ارتكابه جرم التجديف والسعي لهدم الهيكل(2)، فقد وجدوا فيه التهديد الداخليّ الأخطر على سرديّتهم التي أطلقوها. بنظرهم، لم تقتصر خطيئته الكبرى على تقديم نفسه نبيّاً مرسلاً من الله إليهم ما يوجب اتّباعه والعمل بكتاب الإنجيل، بل أيضاً لكونه بشّر بنبيّ يأتي من بعده اسمه أحمد(3)، نبيّ عربيّ قرشيّ خاتم لمسار الأنبياء ورسالاتهم، والذي يمتدّ بنسله إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فهذا من شأنه التأكيد على أنّ مسار المشروع الإلهيّ للبشريّة ليس حكراً على بني إسرائيل، ومعه تسقط سرديّتهم بأنّهم شعب الله المختار.

لقد كشفت هذه المشهديّة التاريخيّة بوضوح عن حجم الجسارة لدى رؤساء الكنيس اليهوديّ وأتباعهم في مخالفة الله باسم العبوديّة له(4). فقد تجاوزوا في قسوتهم ما اتّصف به الحاكم الرومانيّ (بيلاطس البنطيّ)، الذي همّ ليصدر قرار العفو عن المسيح عليه السلام لانتفاء أدلّة إدانته، فراح أحبار اليهود يحثّون الناس على المطالبة والإصرار على إنزال عقوبة الصلب بحقّ نبيّ الله عليه السلام، وهي أشنع عقوبة مورست في زمانهم لما يمثّله الصلب من لعنة ورجاسة على من تقع بحقّه. وهنا، التقت المصلحة السياسيّة للحاكم الرومانيّ مع أهواء الأحبار وأتباعهم.

* مع نبيّ الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم 
على الرغم من التباين في سِيَر التاريخ، لكنّها تلتقي عند جملة من الحقائق، منها، أنّ أحبار اليهود الذين تجرّأوا على حذف البشارة الإلهيّة ببعثة النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة الخاتمة من كتب التوراة والإنجيل(5)، هم أنفسهم راحوا يبحثون في أزقّة مكّة وبيوتها عن هذا المولود الذي يحمل العلامات الخاصّة بهذا النبيّ الخاتم، والتي حرص رسل الله إلى بني إسرائيل على ذكرها بالتفصيل. ولم يكن بحثهم وإنفاقهم للمال الكثير من أجل إعلان الانتماء إليه، بل من أجل قتله طفلاً، قبل أن يشتدّ عوده ويبعث بالرسالة الإلهيّة الموعودة.

ومجدّداً، لقد تلطّى أحبار اليهود بنزعتهم العقائديّة خلف أصحاب النزعة السلطويّة في مكّة، محرّضين إيّاهم، وممارسين لشتّى أشكال الوسائل الشيطانيّة للحيلولة دون السماح لرسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه بنشر الرسالة وتأكيدها(6)، ولمّا عجزوا، اتّخذوا من نسله الأنثويّ وسيلتهم لنفي الامتداد لرسالته فنعتوه بالأبتر، إذ كان من عادة العرب وتقاليدهم أنّهم يعيرون أهميّة للولد الذكر ويعتبرونه امتداداً للأب واستمراراً لمهمّته. وهم بذلك يتجاهلون تحقّق الوعد الإلهيّ لأحد أنبياء بني إسرائيل، عمران عليه السلام، حين استمرّت ذريّته عن طريق ابنته مريم عليها السلام لمّا أنجبت للبشريّة نبيّ الله عيسى عليه السلام.

* مع الأئمّة عليهم السلام من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 
إنّ عجز اليهود وسلاطين قريش عن إعاقة البعثة النبويّة المحمّديّة التي اكتملت بنصّ التعيين للسلسلة المطهّرة من أئمّة المسلمين بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، قد دفعهم نحو سلوك مسار آخر فيه الكثير من الخبث، ومعه، بدأ يسري في وعي المسلمين ما بات يُعرف بالإسرائيليّات، بواسطة أمثال كعب الأحبار وعبد الله بن سبأ وغيرهما، الذين تغلغلت أفكارهم في العقيدة والسيرة والقيم، وأحدثت أشكالاً من الفرقة والفتنة، وكما أحدثت حروباً واغتيالات أُهدر فيها الدم الكثير، كان أغلاها على الإطلاق، دم الإمام عليّ عليه السلام. وقد واجه الأئمة عليهم السلام بعد ذلك مجموعةً من التحدّيات، جزء كبير منها يعود لهذه الإسرائيليّات والانحرافات التي سعت لإعاقة المشروع الإلهي في قيادة الأمّة.

* الخاتمة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
إحدى أخطر الإسرائيليّات التي استطاع أحبار اليهود المُتأسلمون وفقهاء السلاطين عند المسلمين حفرها داخل الوعي الجمعيّ، هي "الانتظار السلبيّ" لخروج المخلّص الموعود ونهضته، فالسكوت عن الانحرافات والظلم وما يحدثانه من سيادة الفساد صار وفق هذا الاعتقاد أمراً لازماً؛ لأنّه الموجب لتعجيل الظهور بالاستناد إلى ظاهر النصّ القائل: "فيملأ الأرض قسطاً عدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً"(7). من جهة، يمكن الاستدلال الأوضح على تأثير تلك الإسرائيليّات في هذا الاعتقاد، عن طريق ما أسهمت به من عودة سافرة لليهود عبر حركتهم الصهيونيّة، وذلك بعد عقود طويلة من التيه، وحضور مستتر في بلاد المسلمين، فقد صار شأنهم مؤثّراً، من خلال كيان أقاموه على أرض مقدّسة هي مهد النبوّات والرسالات السماويّة، وهذا الكيان محميّ في الغرب كما في الشرق. من جهة أخرى، يمتدّ الاستدلال بما أحدثه الإمام الخمينيّ قدس سره من انبعاث لاعتقاد معاكس، يوصف بالانتظار الإيجابيّ، إذ عدّ السكوت عن الانحرافات والظلم السبب الأساسيّ لتأجيل ظهور المخلّص، وأن لا سبيل إلى ذلك إلّا بإحياء الولاية العمليّة لنائب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ ومع هذا الإحياء الذي تجاوز بدء انبعاثه الأربعين عاماً بقليل، انطلقت مرحلة ثوريّة تمحو التداعيات الانحرافيّة التي أحدثتها تلك الإسرائيليّات والتي استمرّت في بلاد المسلمين ما يزيد على ألف وأربعمئة عام.

* حرب سرّيّة ضد العقيدة المهدويّة
مجدّداً، يبذل دهاة اليهود الصهاينة جهداً كي يكملوا ما بدأوه منذ العهد القديم، بالاستناد إلى اعتقاد بأنّ لديهم القدرة على تغيير القضاء والقدر. ويمكن استعراض جملة من الخطوات التي يعملون عليها لاحتواء هذه الحركة المهدويّة لإعاقتها عن بلوغ أهدافها، وهي:

1. استهداف شخص الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، عبر تشخيصه وتتبّعه. وهنا، من المهمّ التأكّد من المعلومة التي تقول بأنّ المخابرات الأمريكيّة حصلت على البصمة الوراثيّة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من خلال رفات والده عليه السلام وأقاربه في مقامات العراق. وقد وردت المعلومة بالتفصيل في بحث تحت عنوان: الحرب السرّيّة على الإمام، من إصدار مركز الدراسات التخصصيّة في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف(8).

2. إيجاد حالة كره للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وللعقيدة المهدويّة عبر تشويه صورته في بلاد الغرب (المهدي فوبيا)، وذلك بالاستعانة بكتابات استشراقيّة تقدّم وصف الإمام بـ"الدجّال المعادي للمسيح"، والعياذ بالله، وبصور مقزّزة ومنفّرة(9)، إلى جانب خلق جماعات مسلمة تدّعي المهدويّة وهي تسيء إليه، وتسليط الضوء عليها(10)، وتوفير وسائل إعلاميّة لها ذات انتشار واسع للقيام بهذه المهمّة.

3. الرصد الدائم للأحاديث والروايات التي تتحدّث عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وعلامات الظهور.

4. العمل على ضرب المرجعيّة الدينيّة الشيعيّة، وبالتحديد، تلك التي تؤمن بمسألة نيابة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتسليط الضوء على المرجعيّات المعادية لهذا الطرح.

5. استخدام وسيلة الإنهاك للجماعات التي يُعتقد بأنّها سوف تكون من أنصار الإمام الفعليّين، كما هو الحال في دول مثل إيران والعراق ولبنان واليمن ومصر، وذلك عبر حروب متتالية، وأزمات اقتصاديّة لا تتوقف.

6. اعتماد سياسة حرف المجتمعات عقائديّاً وقيميّاً، عبر ما يسمّى بالحرب الناعمة، اعتقاداً أنّ ذلك سوف يؤخّر الظهور من خلال إفساد المجتمعات، وما التركيز على المخدّرات والشذوذ الجنسيّ وتفكيك الأسرة إلّا بعض المجالات التي ينشطون فيها.

7. إيجاد ترابط بين الصهيونيّة والمسيحيّة، الإنجيليّة تحديداً(11)، لجعل العهد القديم هو المرجع الروحيّ للمسيحيّين، واعتبار أنّ تأسيس دولة إسرائيل الكبرى وحمايتها وإعادة بناء الهيكل ومن ثمّ هزيمة المهديّ المسلم "الدجّال والدكتاتور"، كما يدّعون، هي مقدّمات ضروريّة لخروج المسيح المخلّص الذي سوف يحكم العالم ألف عام حتّى قيام الساعة(12).

8. إيجاد ترابط بين الصهيونيّة وأتباع النهج السفيانيّ الأمويّ، واعتبار أنّ المهديّ المسلم هو عدوّ لكليهما وعليهما محاربته وأنصاره، قبل خروجه وبعده. وما الحروب التي تخوضها الحركات التكفيريّة بدعم إسرائيليّ وغربيّ وعربيّ غير محدود، إلّا ترجمة عمليّة لهذا المسعى الصهيونيّ.

9. الميل إلى استخدام القوّة العسكريّة، مثلما منّى الرئيس الأمريكيّ جورج بوش الابن نفسه بأنّ الله هيّأ له جميع الظروف لمعركة (هرمجدون) (13) وقدوم المسيح، وكان قد سبقه إلى ذلك الرئيس ريغان يوم اجتياح الكيان الصهيونيّ للبنان عام 1982م حيث قال: "إنّ معركة هرمجدون بدأت علاماتها ليظهر المسيح"(14).

* حقيقة راسخة
في الختام، ليس من المبالغة القول، إنّ الحركة اليهوديّة الصهيونيّة باتت تدرك الآن أنّها أمام واقع مستجدّ إن استطاع تثبيت ركائزه في الميدان والوعي، لن تقتصر نتائجه على زوال الكيان الإسرائيليّ بل سيمتدّ ليصل إلى العمق حيث تسقط تلك السرديّة بأنّ اليهود هم شعب الله المختار. فمسألة المخلّص محفورة في وعي البشريّة على اختلاف انتماءاتها العقائديّة، إذ يعلم أحبار اليهود جيّداً بأنّه هو الإمام الثاني عشر من أئمّة المسلمين(15) الذي سمّاه الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وحدّد صفاته وظروف ظهوره ونهضته، كما سبق وعلموا ما ذكرته التوراة والإنجيل عن بشارة انبعاث الرسول الخاتم، ولكنّهم يمكرون، والله خير الماكرين.


(1) انظر: اليهوديّ العالميّ، فورد، ص 10.
(2) انظر: محاكمة يسوع المسيح: المراحل والإجراءات والأسباب، د. قندح.
(3) ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: 6).
(4) قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾(المائدة: 64). انظر: حقيقة اليهود والمطامع الصهيونيّة، الخطيب، ص 16.
(5) ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾ (الأعراف: 157).
(6) انظر: مؤامرات اليهود وحروب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
(7) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 24.
(8) موقع مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، البحوث والمقالات المهدويّة، مقال: الحرب السريّة ضد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حالياً، بقلم: مجتبى السادة.
(9) من كتابات الاستشراق رواية كتبها الأمريكيّ إف، دبليو، بورلي، عام 2018م، تحت عنوان: إمام الزمان، من الماضي إلى الحاضر. وكتاب لأمريكيّ آخر هو ريتشار ديون، عام 2015م، بعنوان: المهديّ "الدجّال" الإسلاميّ، حقائق صادمة.
(10) أمثال: الصرخي، وجند السماء، والقحطاني، وغيرهم الكثير.
(11) هي حركة داخل المسيحيّة الغربيّة ظهرت في أوروبا في القرن 16م، بدأت مع نشر القضايا الخمس والتسعين التي كتبها الراهب الألمانيّ (مارتن لوثر) عام 1517م.
(12) حين أصبح العهد القديم المرجع الأعلى للاعتقاد البروتستانتيّ، ومصدر المسيحيّة النقيّة الثابت، وجزءاً من طقوس العبادات في الكنائس، والنبوءات المتعلّقة بنهاية الزمان والعصر الألفيّ والمجيء الثاني للمسيح.
(13) معركة نهاية الزمان، التي يؤمن بها أتباع الإنجيل بوصفها معركة حق وباطل، وتعتبر نبوءة عظيمة.
(14) انظر: الإدارة الأمريكيّة المحافظة وتسييس نبوءات التوراة لآخر الزمان، الماضي، ص 122.
(15) انظر في: سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح 12، ج1، ص 6، وسفر التكوين، الإصحاح 17، نص 21، وسفر إرميا، الإصحاح 46، ج 9، ص 10.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع