الشيخ بلال حسين ناصر الدين
لطالما تغنّى كثيرون بحياة الغربيّين، حتّى ظنّوا أن ما يُظهره الغربُ من أناقة وجمال ونظام وتطوّر صناعيّ وتقدّم علميّ هو غاية الفكر والوعي ومنتهى ما تنتجه الثقافة الأصيلة، التي هي بنفسها دون غيرها ستمسك بيد الإنسان وتذهب به إلى كمال سعادته ورفاهه وأمانه.
وكاد بعض الناس يركن لكلّ ما يأتي من الغرب فيضعه في مصاف التقديس والتبجيل دون أيّ تمييز بين غثّه وسمينه، ودون أيّ تأمل في مناشئ هذا الشيء أو ذاك في تبعاته ومساوئه وسلبيّاته وأهدافه المرجوّة منه، حتّى وصل الأمر إلى المناهج التعليميّة وأنماط العيش وغير ذلك، فاختلط حابلُ الحقّ بنابل المظاهر، وأصبح الباطلُ البيّنُ معروفاً والمعروفُ باطلاً بقوّة الإعلام والترويج والتنميق والتزيين، وصارت أحاديّة المثل الأعلى والقدوة الرفيعة محصورة بالغرب، وكأنّ ما دونه تَبَعٌ وفي أفضل حالاته دونه مرتبةً ودرجة. وممّا تفوّق به الغرب فضلاً عمّا تقدّم، هو القدرة الفائقة على إخفاء حقيقة ثقافته التي بُنيت على الباطل من فلسفة ماديّة أو نفعيّة، والتي كانت السبب الأساسيّ في ما افتعلته أنظمة الدول الغربيّة والاستكباريّة، من نهب لثروات الشعوب المستضعفة كأفريقيا وغيرها من دول العالم، ومن افتعالها الحروب المتنقّلة، ودعم ما ينسجم مع مصالحها ولو ذهب فيها آلاف الضحايا والأبرياء، ومن ترويجٍ للفساد الأخلاقيّ والشذوذ وكلّ ما يهدم كيان الأسرة ودفأها، ومن دعمٍ للحركات التكفيريّة الإرهابيّة التي عمدت إلى تشويه صورة الإسلام. وكان آخر مظاهر مفاعيل تلك الثقافة السوداء، هو وقوف تلك الدول التي تدّعي الحريّة والعدالة الإنسانيّة وقفة الرجل الواحد مع الكيان الصهيونيّ في قتله أطفال غزة ونساءها وشيوخها، وتدمير مرافقها الصحيّة والتربويّة والدينيّة، دون أيّ رادع يردعه. ومع ما فعله على مرأى العالم كلّه، بقيت دول الغرب "الجميلة والكلاسيكيّة"، داعمة لهذا الكيان، وبهذا، فقد دُفن كلّ ما يدّعيه الغرب من شعارات حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بدفن أشلاء أطفال غزة ونسائها، وتهدّمت أركان ثقافته الماديّة والنفعيّة بهدم أركان منازل غزة ومبانيها ظلماً وعدواناً.
لم يعد بعد كلّ هذا، وبعد أن تبيّنت حقيقة الغرب وأنظمته الماديّة، أيّ عذر أو مبرّر لأن يتغنّى بعض الناس بالغرب، فما صدر عن أنظمة دوله كفيل بأن نوقن أنّ ما هو عليه من فكر وثقافة لا يعدو كونه ثقافة متوحّشة لا ارتباط لها بالإنسانيّة، وما نراه بالظاهر لا يعدو كونه نفاقاً يمثّل وجهاً من الوجوه المستعارة التي مآلها السقوط.
فقد سقط الغرب فعلاً بسقوط ضحايا غزة، ودُفنت ثقافته بدفن أطفالها الأبرياء.
فيا أيها المنبهر بالغرب، ليس بالشوارع الفسيحة والأبنية الأنيقة وأتيكيت المطاعم وماركات الألبسة المخملية والعطورات الفاخرة، ليس بذلك تقاس ثقافة الشعوب وقيمها الإنسانية، إنما تقاس باحترام الإنسان للإنسان وعدم التمييز العنصري وعدم التكبّر والتجبّر والعنجهية، وبالصدق والشفافيّة وعدم التلوّن والنفاق والكذب.