مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة: من سكب الماء في أحذيتنا؟


رقيّة كريمي


شدّ الحاج محمود أُذُني الصغيرة، من شدة خوفي نسيت الألم. لم أكن المذنبة، إنّها مريم، ابنة جارنا، هي من سكبت الماء في أحذية المجاهدين العسكريّة. لم تكن تريد أن تسكبه في كلّ الأحذية، ولكنّها كانت جميعها متشابهة، ولم تدرِ أيّها يَخصُّ أخاها. لم ترد أن يذهب إلى الجبهة ويتركها. كانت تحبّه. كانت تظنّ أنّها إن سكبت الماء داخل حذائه، فلن يتمكّن من الذهاب مع المجاهدين.

أنا كنت أشاهدها فقط عندما سكبت إبريقاً كبيراً من الماء في أحذية كلّ المجاهدين. كانوا يؤدّون صلاتهم الأخيرة قبل الذهاب إلى الجبهة. هربت مريم وتركت الإبريق في يدي، قالت إنّها ستعود بعد دقيقة، لكنها لم تعد. أنهى المجاهدون الصلاة، وبعد خروجهم من المسجد إلى الفِناء ارتفعت أصواتهم: «من سكب الماء في أحذيتنا؟»

الحاج محمود لم يصدّقني، ولم يسمح لي بالكلام، كما أنّه لم يترك أذني. كم كنت أشعر بالخوف منه عندما كان يقول لي بعينين غاضبتين: «أيّتها الصغيرة، من سمح لكِ بالدخول إلى المسجد؟ بأيِّ حقّ سكبتِ الماء في أحذية المجاهدين؟». لو خرج والدي حينها من المسجد وسمع القصّة لغضب وخجل. صرخ الحاج محمود: «لا يحقّ لكِ أن تدخلي المسجد بعد اليوم. فهمتِ؟» لم أقل شيئاً، كنت أبكي فقط. فجأةً، سمعت صوت محسن ابن جارنا، وهو أيضاً كان يريد الذهاب إلى الجبهة مع أنَّهُ كان جريحاً. كم كنت أحبّ لباسه العسكريّ وكوفيَّته البيضاء والسوداء! أفلتني من بين يدي الحاج، وقبّل وجهه، ثمّ قال له: «صلّ على النبيّ يا حاج، لم يحصل شيء. نحن نذهب إلى الجبهة وقد لا نعود. لو طردناهم اليوم منه، من سيصلّي فيه غداً؟»

قال ذلك وبدأ بتجفيف الأحذية. هربْتُ وأنا أبكي حتى خرجتُ من البوّابة. كنت أبكي بشدّة وصوت شهقاتي يرتفع، وأنا أفكّر بما فعلته مريم، التي لن أكلّمها بعد اليوم!

*****

كنتُ متعبة جدّاً، وأشقّ طريق العودة إلى بيتي بصعوبة بعد يوم عصيب من العمل في الجامعة. أردتُ أن أصل إلى البيت وأُصلّي بهدوء، ولكن لم أستطع أن أتجاهل صوت الأذان وأنا أسمع جملة «حيَّ على الصلاة» تصدح من مسجد مررت بقربه. دخلت المسجد. نعم، إنّه نفسه، ولكنّه أصبح قديماً. رأيتُ نفسي هناك من جديد أركض بين الأشجار وألعب مع مريم ابنة جارنا، صديقتي التي لم أكلّمها منذ سنوات، حتّى عندما تركوا مدينتنا.

بعد الصلاة رحت أبحث عن حذائي الجديد الذي اشتريته بالأمس، فلم أجده. خادم المسجد كان يراقبني، ساعدني في البحث عنه، أخيراً وجدناه. حذائي الكبير كان في قدم طفلة صغيرة كانت تلعب مع أصدقائها في فِناء المسجد. أظنّها كانت تحبّ الأحذية الكبيرة، ربّما كانت تشعر هكذا أنّها تشبه أمّها.

صرخ خادم المسجد في وجه الطفلة، وكأنّه أراد أن يصبّ جام غضبه عليها، خافت الطفلة وأصدقاؤها فتوقفوا عن اللعب. اقتربتُ منه بسرعة وقلت له: «صلِّ على النبيّ يا حاج، لم يحصل شيء. لو طردناهم اليوم من المسجد، من سيصلّي فيه غداً؟»

هممتُ بمغادرة المسجد. وقفت أمام البوّابة، كأنّني أرى نفسي من جديد ألعب مع مريم وأصدقائي. المسجد نفسه، لم يتغيّر فيه شيء، إلّا صورة كبيرة لعدد من الشهداء، كان من بينهم محمّد شقيق مريم، ومحسن الذي كان يبتسم لي، تماماً مثل ذلك اليوم!


كانت تظنّ أنّها إن سكبت الماء داخل حذائه، فلن يتمكّن من الذهاب مع المجاهدين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع