من وصايا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
"أيُّها الناس، إنّه من نصح لله وأخذ قوله دليلاً؛ هُدِيَ للتي هي أقوم، ووفّقه الله للرشاد وسدّده للحسنى، فإنَّ جارَ الله آمن محفوظ وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر، واخشوا الله بالتقوى، وتقرّبوا إلى الله بالطاعة، فإنّه قريب مجيب، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186)،
فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنّه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا، وعزّ الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذلّلوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلّوا بعد الهدى. واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقى حتّى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الذي حرفه. فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، (...) والتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من الله سُنّة، ومضى فيهم من الله حكم، إنّ في ذلك لذكرى للذاكرين. واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعاية، ولا تعقلوه عقل رواية، فإنّ رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان"(1).
(1) الحراني، تحف العقول، ص 227-228.