مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الولاية والتكليف في وصايا الشهداء

الشيخ أبو صالح عباس
 

لأنّ أداء التكليف يعبّر عن الإيمان الحقيقيّ في بُعْده العمليّ، ولأنّ أصدق من تحدّث عنه هم من بذلوا الدماء في سبيل العمل به، وجسّدوه في حياتهم وجهادهم دستور حياة، وهم الشهداء الذين يقول الإمام الخمينيّ قدس سره إنّ وصاياهم تختزن درّة الدعوة إلى الالتزام بالتكليف: “إنّ هذه الوصايا تهزّ الإنسان وتوقظه”(1).

لأجل ذلك، كان لا بدّ من الخوض في وصايا الشهداء للإضاءة على بعض الجوانب التي تشير إلى الولاية والالتزام بالتكليف، وهذا الأمر من شأنه أن يهزّ أرواحنا لاستغلال ما تبقّى من أعمارنا في سبيل تحقيق هذه الطاعة العظيمة في حياتنا، على طريق التمهيد لإمام الزمان المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* «أوصيكم بولاية الفقيه»
لا تعدّ التكاليف الشرعيّة قوانين أو أوامر ذات طابع قانونيّ مجتزأ، بل هي امتداد لولاية المعصومين عليهم السلام، الذين أمرنا الله تعالى بطاعتهم على هدي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59). وهذا الشعاع الولائيّ لا يمكن أن ينقطع حتّى في زمن غيبة المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف. وقد وجّهت النصوص الشرعيّة المؤمنين إلى التمسّك بالفقيه الذي يتولّى شؤون المسلمين في زمن الغيبة. وقد برز هذا التمسّك بالولاية في الكثير من وصايا الشهداء، منها ما خطّه شيخ الاستشهاديّين أسعد برو في وصيّته من قوله: «وانطلقوا في رحاب الله والجهاد في سبيله على خطّ الوليّ الفقيه الجديد الذي سار على درب القائد الأعلى الإمام الخمينيّ العظيم»(2).

ومنها ما ورد في وصيّة الشهيد مصطفى مازح وهو يخاطب الإمام الراحل قدس سره: «إنّي أعاهدك على السير في طريقك النيّر، وسوف أبقى تحت أوامر خليفتك السيّد علي الخامنئيّ...»(3).

ومنها ما يذكره الشهيد حسين قاروط من قوله: «أوصيكم بولاية الفقيه... وأوصيكم بأنّ خطّ الإمام الخمينيّ قدس سره هو خطّ الإمام المهديّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف»(4).

* واجبنا الشرعي: الوحدة
نرى أفقاً بعيداً للشهداء بخصوص التكليف الاجتماعيّ حين مطالعة وصاياهم، إذ يرون أنّ الالتزام بالتكليف دافعٌ للوحدة وضمانٌ لها، فيحددون تكليفهم على أساس ما يصلح الشأن العام، كما ورد في وصيّة الشهيد محمّد أحمد الخطيب إذ يقول: «واجبنا الشرعيّ الوحدة تحت ولاية الفقيه العادل»(5).

ما يعني المزيد من المؤاخاة والقوّة وخلق الوقاية من التشرذم والتفرّق، على هدي قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103).

* الالتزام بالتكليف ولو في ما نكره
من أعظم ما يُبتلى به الإنسان أن يُكلّف بما يكره، أو يُبتلى في من يحبّ، وقد ورد في الخبر عن الإمام الحسين عليه السلام قوله: «... وَإنَّما يُبْتَلىَ الصَّالِحُونَ، وَلَوْ لَمْ تُوجَرْ إلّا فيما تُحِبُّ لَقَلَّ الأَجْرُ»(6). هذا ومن المعلوم أنّ المحكّ الذي يبرز مقدار انعتاق الإنسان من ميوله النفسيّة؛ هو انصياعه للتكاليف التي تخالف ميوله وتشخيصه الظاهريّ للأمور، ومن بركات ذلك مضاعفة الأجر، وبهذا نفهم وجه الأفضليّة في الخبر الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «أفضل الأعمال أحمزها (أي أشقّها)»(7).

وبالإضافة إلى ذلك، ثمّة جانب إيكال الأمر إلى الفقيه أو القائد فيما يحكم به ويقضي، لكي لا نقع في مشكلة الآراء المتخالفة والإجراءات المتناقضة. وهذا الفهم نجده جليّاً في وصايا الشهداء، منها قول الشهيد موسى علي أديب: «إخواني المجاهدين... راعوا التكليف واعملوا به... ولو كان خطأ حسب رأينا»(8).

* الإخلاص
أولى الشهداء في وصاياهم الإخلاصَ حيّزاً كبيراً، إذ تطالعنا وصيّة الشهيد وائل درويش: «ابقوا مخلصين لخطّ الإمام المقدّس الخمينيّ قدس سره محقّق حلم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ولخليفته من بعده سماحة المرجع العظيم السيّد الإمام الخامنئيّ دام ظله...»(9)؛ فلا قيمة للعمل من المنظور الإسلاميّ إن كان يفتقر إلى الإخلاص الذي يعبّر عن عمق ورسوخ الاعتقاد بحقيقة “لا إله إلّا الله”، شعار الإسلام العظيم، الذي يعني أنّ لا مؤثّر في الوجود إلّا الله، ومن شأن هذا الاعتقاد التوحيديّ أن يحرّر النفوس من التبعيّة والركون إلى غير الله تعالى، وأن ينفخ الروح في العمل على قاعدة ما كان لله ينمو.

فيما يذكر الشهيد ربيع جعفر قصير في وصيّته ضرورة حفظ نعمة الجهاد بإخلاص وإبداع، إذ يقول فيها: «هذه النعمة -الجهاد- علينا التبصّر بها، والاستفادة منها استفادة صحيحةً، تتمثّل بأداء التكليف بكلّ إخلاص وإبداع»(10). والإخلاص هنا، وإن كان يحمل معنى الوفاء وعدم الانحراف عن اتّباع خطّ الولاية؛ إلّا أنّه يشير إلى لزوم تنقية النيّة عند العمل بالتكليف من شوائب الأنانيّة والحسابات الشخصيّة، وهذا ما يشير إلى وعي المجاهدين والشهداء الفكري وإخلاصهم العملي.

* التمسّك بالحقّ
درجة أخرى من الوعي نلاحظها في كلمات الشهداء الذين نتعلّم منهم تطبيق القيم الإسلاميّة الحقيقّة، حين نقرأ في وصية الشهيد عبد الكريم قانصو: «تمسّكوا بقيادتكم المباركة؛ قيادة الحقّ، ودولة العدالة الممهّدة للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف». إذ يُحدّد أنّ ثمرة التمسك بالولاية، التمهيد لدولة الحق والعدالة. ولا شكّ في أنّ الالتزام بالولاية وقيادة الحقّ يشكّل صفعةً كبيرة لوجوه الظالمين، وإلى هذا يشير الشهيد قانصو حين نتابع وصيّته بقوله: «أرجو الالتزام بولاية الفقيه، فإنّ الالتزام بولايته طعنةٌ في قلوب المستكبرين ونصرٌ للمسلمين»(11).

وهنا تطبيقٌ لما يصرّح القرآن الكريم به كسنّة ثابتة لا تتغيّر، وهي غلبة الحقّ على الباطل وإن طال الزمن، إلّا أنّ هذه الغلبة لا تكون من دون جهاد وتضحية وثبات على الحقّ مهما كانت الظروف. ولهذا، كان الحقّ مرّاً شديداً، وتركه سبباً لتمادي أهل الباطل، كما في المرويّ عن الإمام علي عليه السلام: «ولَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ ولَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ؛ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ»(12). فضلاً عن أنّ الولاية من أجلى مصاديق الحقّ، ولهذا، فإنّ الالتزام بها يستدعي من الإنسان الكثير من التحلّي بالإيمان والعقيدة الراسخة.

* القائد قلب المسلمين
تستوقفنا في وصيّة الشهيد وائل درويش العبارة الآتية: «أطيعوا أوامر السيّد القائد، فإنّه قلب المسلمين في العالم»(13). كم تحتوي هذه الكلمات على فهم عميق لأوامر القائد من زاوية موقعه الحسّاس الذي يمثّل قلب الأمّة. وكما أنّ الجسد الذي لا يحسن الاستفادة من القلب يمرض ويضعف، كذلك جسد الأمّة، وهذا الجسد لا يمكن أن يستثمر وجود القلب من دون أوردة وشرايين، ويمكن ترجمة ذلك في الالتزام بتكاليف القائد، بدءاً من الوليّ الفقيه، وصولاً إلى آخر قائد في هرميّة الولاية.

* التضحية والصبر
وأخيراً، إنّ المسافر في عوالم الشهداء يعثر على الكثير من الشواخص التي تتكفّل بهداية الإنسان إلى طريق البصيرة، بشرط العمل بها والتحلّي بالصبر وبروحيّة البذل والتضحية، وهذا ما يخبرنا به الشهيد نعمة حبّ الله بقوله: «لا تنسوا يا إخوتي نهج إمام الأمّة الخمينيّ العظيم قدس سره، وضحّوا بكلّ ما تملكون من قوّة وعزم للدفاع عن هذا النهج المبارك الذي يصل إلى نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(14).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع