كان الشيخ محسن اليزديّ(1) رحمه الله صاحب كتاب (مثير الأحزان) من فضلاء إيران، وكان عابداً كبيراً، وفي غاية الزهد والورع. كان معروفاً بعدم مجاملة الظالمين، فعندما رأى رحمه الله حاكم يزد يمعن في ظلم الناس، عبّأهم عليه واستنفرهم ضدّه؛ حتّى أخرجه من يزد ذليلاً. وعندما وصل الحاكم إلى بلاط الشاه، أَوْغَرَ صدره على الشيخ. وقرّر الشاه إحضار الشيخ إلى طهران بصفته قائد الثورة في يزد؛ ليحاصر التحرُّك الجماهيريّ هناك. وفي أوّل لقاء بينهما، أغلظ الشاه القول للشيخ، وطلب منه أن يحدّثه بما جرى. وكان الشاه يريد أن يسمع من الشيخ محاولة تبرئة نفسه. قال الشيخ بمنتهى الشهامة: "أنا أخرجته من المدينة؛ لأنّه حاكمٌ ظالمٌ، ضجّ الفقراء من ظلمه؛ لذلك ثرت عليه". أمام هذه الصلابة والصراحة، استبدّ الغضب بالشاه وأمر جلاوزته بأن يقوموا بتعذيب الشيخ، لكنّه أراد أن يظهر الشيخ بمظهر الجبان؛ فقال لأمين الدولة الأصفهانيّ الذي كان حاضراً في مجلسه: "يقيناً ليس للشيخ أيّ دخل في ما جرى، فهو لا يلوّث نفسه بما حدث، إنّما كان ذلك من الأوباش والناس". أدرك "أمين الدولة" قصد الشاه، وأن تعذيب الشيخ من شأنه تأليب الناس على الحُكم، فهزّ رأسه موافقاً، وقال: "إنّه وفيٌّ لجلالة الشاه، ولا يصدر عنه أيّ سوء للمقام الملكيّ العظيم". بانتظار كلمة دفاع واحدة من الشيخ. فجأةً، صرخ الشيخ غاضباً: "لماذا يكذب السلطان؟ أنا أخرجت الحاكم، أنا بنفسي، الناس لا ذنب لهم". فوجئ الشاه بهذا الإصرار، إلّا أنّه ألمح لأمين الدولة أن يتوسّط لإنقاذ الشيخ، فخاطب أمين الدولة الشاه: "إنّه محترم، ومن كبار العلماء، اعفُ عنه إكراماً لي، امنحه العفو الملكيّ"، فأطلق سراح الشيخ دون أن يذلّ نفسه.
(1) قصص العلماء، ص101 – 102.