مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: في اجتماع القلوب... يُمْنُ الظهور

د. السيد محمد مرتضوي


من جملة الأسئلة التي شغلت أذهان البشرية، مستقبل البشر أو نهاية التاريخ. وقد حاول المفكرون تقديم إجابات عن هذه التساؤلات، فقالوا إن مستقبل البشر واضح، وهو توأم للصلح والصفاء والهدوء والأمن وانتشار العدل... وبيّنوا ذلك في قوالب عديدة من أبرزها: وجود ما يسمّى بالمدينة الفاضلة، المدينة السالمة، أورشليم، أوتوبياو... ولكنهم اختلفوا في كيفية وجودها فاعتبر بعضهم أن وجودها خارج عن إرادة البشر حيث مالوا نحو الجبر التاريخي، بينما اعتبرها بعضهم الآخر أمراً اختيارياً حيث اعتقدوا بضرورة صراع الحضارات كمقدّمة لوجودها.


*المستقبل وظهور المُنجي
وتحدثت الأديان الكبيرة، أي اليهودية والمسيحية والإسلام، عن مستقبل حياة البشر واعتبرت أن كيفية وجودها يترافق مع ظهور المُنجي. وتشترك هذه الأديان في عدد كبير من الأمور حول نهاية التاريخ أو ما يعبر عنه بآخر الزمان. حيث يعتبر المسلمون أن هذا الأمر سيتحقق على يدي أحد أبناء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. صحيح أن المهدوية مشتركة بين كافة الفرق الإسلامية، إلا أنها أكثر وضوحاً عند الشيعة، حيث أصبح انتظار المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من جملة عقائد الشيعة الأساسية، وما تمتاز به الشيعة عن غيرها.

من جملة المسائل المطروحة في مسألة المهدوية تأثير البشر في تحقّقها، وذلك ضمن نظريتين:
الأولى: جبرية الظهور، إذ يتحقق ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمان خاص وتوقيت من الله عزّ وجلّ ومن دون دخالة أو تأثير للبشر. ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن على المنتظرين كفّ الأيدي عن العمل للتعجيل بالظهور والانتظار، كما يقولون، ليتحقق هذا الأمر.

الثانية: اختيارية الظهور، إذ يتحقق الظهور من خلال عمل البشر. وبناءً على هذه النظرية، فإن الظّهور يصبح أسرع كلما ازداد عمل البشر واستعدادهم لتوفير أسبابه باختيارهم.
وتعتمد هاتان النظريتان على مبادئ كلاميّة وقرآنيّة، وحديثيّة. وعلى أساس ذلك يتحدّد سلوك البشر ويترتب على نوعين مختلفين من الآثار. سيتم تناول النظرية الثانية التي تحمل آثاراً هامة، منها:
1 - تحقق الأمنية البشرية بالحياة في ظلّ الصلح، والصفاء، والعدل، والمعنويات والهدوء.
2 - ضرورة تمهيد البشر والتحضير لظهور المنجي، لذلك، فهذه النظرية تبدو ذات أهمية واضحة يتمحور حولها هذا المقال ومن خلال توضيح المبادئ الكلاميّة والقرآنيّة والحديثيّة لهذه النظرية.


* أصول حول اختيارية الظهور
إن تأثير البشر في مستوى ظهور المنجي الإلهي يعتمد على عدة أصول:
1- الله خالق كل شيء: إن العالم وما فيه مخلوق لخالق هو "الله" ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (الزمر: 62).
2- هدف الخلق: الخلق يحمل هدفاً. ومجموع نظام الوجود بما فيه الإسلام قد خلق لأجل هدف خاص، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (ص: 27).
3- هدف خلق الإنسان: إن لخلق الإنسان في القرآن والحديث هدفاً نهائياً وهو القرب إلى الله أي العبادة والتسليم لله تعالى. جاء في القرآن الكريم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56).
4 - الوحي والأنبياء: إذا كان خلق الإنسان هادفاً وكان العقل والحسّ اللذان هما من أدوات المعرفة البشرية قاصرين عن الهداية التامة، فقد هدى الله تعالى الإنسان بواسطة أخرى وهي الوحي، لذلك اختار الله تعالى أفراداً أخذوا على عاتقهم هداية البشر على أساس كتاب الله ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيماً (النساء: 165).
5- خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إن خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة مشتركة بين الشيعة والسنّة مع العلم أنهم اختلفوا في كيفية تنصيب الإمام وشروطه.
6- إمامة الإنسان: يعتقد الشيعة والسنّة أن المنجي من أولاد فاطمة عليها السلام. والفارق بينهما أن الشيعة تعتقد بأنّه الإمام الثاني عشر عليه السلام وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيظهر ليتولى إمامة المجتمع البشري.
وعلى هذا الأساس فإن الشيعة يعتقدون بأن بطل نهاية التاريخ هو شخص يحمل خصوصيات منحصرة به من أبرزها أن مشروعيّة ثورته ترتكز على كونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


*القرآن واختيارية الظهور
هناك العديد من الآيات القرآنية التي يمكن الاستناد إليها لإثبات أن الظهور فعل اختياري. ويمكن دراستها في محاور ثلاثة: قرآنية، روائية وعقلية:
أما القرآنية فقد ورد عدد من الآيات كالتالي:
1- تتحدث مجموعة من الآيات حول تغيير مصير الإنسان الذي يتم من خلال عمله. مثال ذلك: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 11). كما أن العمل الصادر منه يؤثر أيضاً في سائر الناس حوله، لذلك هو مسؤول أيضاً عن ما يصدر عن الآخرين من عمل.
وعلى هذا الأساس فمن جملة الوظائف الهامة في الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن هنا فإن إيجاد تحوّل في المجتمع هو في اختيار الإنسان. وإذا كان من المقرر إيجاد تحوّل على مستوى حياة البشر، فيجب على الناس النهوض لإيجاده.

2- الآيات التي تتحدث عن أن الإنسان لن يجد إلّا نتيجة عمله. مثال ذلك الآية الشريفة: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (النجم: 39-40).
إن ظهور نتيجة عمل الإنسان ليس مخصوصاً بالآخرة، بل قد تظهر النتيجة في هذه الدنيا. فالإمام علي عليه السلام يخبرنا عن أن سكوت الصالحين مقابل الانحرافات والتغيرات الاجتماعية التي حصلت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مهّدت الأرضية لحكومة الفاسدين. لذلك، فالإنسان مسؤول أمام ما يحصل من فساد في المجتمع؛ وعليه فإصلاح الوضع الموجود خاضع لعمل الإنسان الاختياري.

3- الآيات التي تتحدث عن أن المصائب التي تنزل على الإنسان هي نتيجة عمله. مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (الشورى: 30).

4- الآيات التي تتحدث عن أن الفساد في المجتمع هو نتيجة عمل الإنسان. مثال ذلك الآية الشريفة: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم: 41).


* خطاب القرآن للمؤمنين
ما ذكرناه إلى الآن من آيات كان الخطاب فيه للناس فهو لا يختص بالمؤمنين. ولكن ثمّة طائفة من الآيات وردت خطاباً للمؤمنين وهي تشكّل أدلّة إضافية:
5 - الآيات التي وضحت ضرورة اختبار الناس حتى يوم القيامة. أما أدوات الاختبار ففي قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة: 155).
إن أصل الاختبار الإلهي للناس يعتمد على المقدّمات المذكورة. وإذا كان هناك هدف لخلق الإنسان، فيجب على الإنسان أن يسعى للوصول إلى ذاك الهدف، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التربية والتعليم، والاختبار ضروري فيهما. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ، لأَنَّه لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، ولَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ". وعليه، فإذا كان الاختبار سنّة إلهية، فيجب على الإنسان أن يدخل هذه الساحة والعبور سالماً عبرها وذلك بواسطة العمل.

6 - الآيات التي تعتبر أن الصراع بين الحق والباطل تاريخي وتؤكد على ضرورة أن يعمد المؤمنون إلى توحيد صفوفهم. مثال ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء: 76).

7 - الآيات التي تبيّن ضرورة الدفاع عن المحرومين. مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (النساء: 75).

8 - يتحدث بعض الآيات عن ضرورة زوال الشرك من الأرض وهذا ما يجب أن يحصل بأيدي المؤمنين. مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 55).

تلعب الحكومة دوراً هاماً في تأمين سعادة الناس بما تملك من إمكانيات وقدرات وقرارات.
وإن الذي يحكم العالم اليوم هم المشركون الذين يسوقون المجتمع البشري نحو الفساد بما يملكون من إمكانيات، وأما صلاح المجتمع فيبدأ من تغيير الحكّام.
تتحدّث الآية الشريفة صراحة عن ضرورة أن يبادر المؤمنون لتسلّم الحكم في الأرض وهو عمل اختياري وهناك الكثير من الروايات التي أوّلت الآية بظهور إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

بناءً على الآيات القرآنية فمن واجب المؤمنين محاربة الظالمين، والدفاع عن المظلومين، والعمل للقضاء على الشرك والكفر ونشر التوحيد وحاكمية دين الله. ويشار إلى أن كافة هذه الأعمال اختيارية وإذا حصلت هذه الأمور بشكل واسع واستعد الناس للمواجهة العالمية، توفرت المقدمات لظهور المنجي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع