نهى عبد الله
11-11-1982م: شعرت "أمّ موسى" أنّ ابنها أحمد يطيل النظر إليها على غير عادته، بينما كانت تغسل الصحون، استرقت نظرةً إليه وسألته: "ماذا تشتهي أن تأكل اليوم؟"، لم يكن مُتطلّباً: "أيّ شيء من يديك"، لاحظت أنّه أصيب بنزلة برد، فبادرته: "سأُعدّ لك حساء العدس؛ ليقوّيك على برد تشرين"، حرّك رأسه موافقاً، ونظر إليها بشوقٍ وشفقة: "سأتناوله إذا عُدت من الدكّان".
انقضى ذلك اليوم، وأحمد لم يعد. أنبأها قلبُها أنّ غيبته هذه المرّة لا تشبه غيباته الأخرى، أخذت الاحتمالات تتلاطم في فكرها، أيعقل أن يأسره المُحتلّ؟ أو أن يسافر دون وداع؟ قلقت بشدّة، وراحت تبحث عنه في كلّ مكان، فلا هي وجدت أحمد، ولا أحمد عاد...
11-11-2006م: جلست "أمّ موسى" كعادتها عصر كلّ يوم، تتلو آيات القرآن الكريم وشيئاً من الدعاء، أمام ضريح عريض، تعلوه صورة تضمّ أحمد وشابّين آخرين: بكرها "موسى"، و"ربيعاً" الذي زفّته عريساً قبل أسابيع من شهادته في حرب تمّوز.
بات يوم شهيدها أحمد يوم لقائها بأمّهات الشهداء، يوم يتبادلن التهاني والتبريكات والذكريات الجميلة، يُضئن الشموع، ويرفعن أكفّهنّ بالدعاء. ولأمّ موسى دعاؤها الخاصّ من قلب نزف جروحاً ثلاث، نحت الصبر جسدها، وكتم شوقُها إلى لقاء أحبّتها صوتَها، وقطع مرضُها تذكرة السفر إلى لقائهم برضى الصابرين وتسليمهم.
11-11-2022م: سيأتي المباركون اليوم؛ لتستقبلهم صورةٌ كبيرةٌ لـ"أمّ موسى" بابتسامة مطمئنة، تتوسّط غرفة الاستقبال، بين صور شهدائها الثلاث.
لكنّ لقاءً أرقى، انعقد في الملكوت الأعلى، حين استقبلها الشهداء، فعيد شهيدها اليوم في محضره.. هنيئاً.