إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

مع الإمام الخامنئي: الجهاد في حياة الإمام السجاد عليه السلام

 


واجه الإمام السجّاد عليه السلام مرحلةً من أشدّ المراحل حساسيّة وخطورة؛ إذ اجتمعت في عصره -كما ذكرنا في العدد السابق- مختلف أشكال الفساد الأخلاقيّ والسياسيّ، مضافاً إلى الانحطاط الفكريّ، الذي كان في أوجه. ونتيجةً لذلك، وجد الإمام عليه السلام نفسه أمام مسؤوليّات عظيمة، حتّمت عليه تعليم الناس العلوم الدينيّة، ومسائل الإمامة، فضلاً عن إعلان إمامته.

وقد انصبّ جهد الإمام عليه السلام وعمله على الأمر الأوّل؛ أي تعليم الناس العلوم الدينيّة؛ لأنّ الظروف لم تكن تسمح له بإعلانه إمامته. كان يجب أن يُصلح دين الأمّة، ويهذّب أخلاق الناس، ويُخلّص الشعب من الفساد الذي كان سائداً آنذاك، ويوجّه الأمّة معنويّاً؛ ليرجع أساس الدين إلى الأمّة والمجتمع. 

•الإمام عليه السلام والزهد
نلاحظ أنّ أكثر الكلام المنقول عن الإمام السجّاد عليه السلام هو في الزهد، وحتّى في بداية كلامه وخطبه التي تتضمّن معنى سياسيّاً، كان يبدأ الكلام بالزهد، حيث يقول عليه السلام: "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة…"(1). 

كانت كلمات الإمام عليه السلام تحمل بين طيّاتها الزهد والمعارف الإسلاميّة، التي كان يطرحها، ويُبيّنها من خلال الدعاء؛ لأنّ الظروف الصعبة والضغوط التي كانت مسيطرةً على الشعب، لم تكن تسمح للإمام السجّاد عليه السلام أن يتكلّم بطلاقة وأن يطرح آراءً بصورة صريحة وواضحة، فليست السلطة وحدها المانعة، وإنّما كان الناس أيضاً يرفضون هذا؛ كان المجتمع قد أصبح ضائعاً، وكان من الواجب إصلاحه. 

•بناء الكوادر
كذلك، نجد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام ذكر مسألة بناء الكوادر وتهيئتهم في كلامه وأحاديثه؛ نُقل حديث طويل عنه عليه السلام في كتاب (تحف العقول) إضافة إلى مجموعة أحاديث أخرى يُبيّن مضمونها وطريقة الخطاب فيها ما كان يقصده الإمام السجّاد عليه السلام ويفعله، وسنرى من خلال ثلاثة أساليب، كيف كان يتوجّه إلى الناس في خطابه:

1- عامّة الناس: عندما كان يخاطب عامّة الناس، كان يبدأ بعبارة: "يا أيّها الناس". ومن خلال حديثه، كان يشير عليه السلام إلى جُملة من العلوم والمعارف الإسلاميّة؛ نذكر منها: موت الإنسان، والسؤال في القبر، والله والإمام. يُلاحظ في هذا الخطاب نوعٌ من الرفق والرقّة، وهو يناسب عوامّ الناس المراد تبليغهم آنذاك. 

2- الخواصّ: ثمّة أسلوب آخر يبدأ بنوع مختلف من الألفاظ، ويُفهم من مضمونه أنّ الخواصّ هم المقصودون فيه، حيث يبدأ قوله عليه السلام بـ"كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين، أيّها المؤمنون، لا يفتنكم الطواغيت"(2)؛ فلا يخاطب الحديث هنا عامّة الناس، وإنّما يخاطب فئة خاصّة منهم. 

3- خاصّة الخواصّ: ثمّة نوع ثالث من أساليب الخطاب يُبيّن أنّ المقصودين به هم خاصّة الخواصّ من الناس وزبدتهم، لعلّهم الأصحاب المطّلعون على أسرار الإمامة وهدف مساعي الإمام عليه السلام آنذاك، ومن زمرة المحافظين على أسرار الإمامة. يبدأ الخطاب بهذه الألفاظ: "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، تركهم كلّ خليط وخليل، ورفضهم كلّ صاحب لا يريد ما يريدون"(3). 

ويمكن أن نحتمل ونقدّر أنّ الإمام السجاد عليه السلام، خلال هذه المدّة، كان له نوعان أو ثلاثة أنواع من أساليب الحديث التي تتضمّن قيماً وتعاليم إسلاميّة؛ ففي بعضها أشار عليه السلام إلى النظام الحاكم وطواغيت ذلك الزمان، وفي بعضها الآخر اكتفى بالإشارة إلى المسائل والمفاهيم الإسلاميّة. 

•ثمرة جهاد الإمام عليه السلام 
هكذا كانت حياة الإمام السجّاد عليه السلام، حيث استطاع، خلال 35 سنة، أن يخلّص الناس الجهلة وينجيهم من براثن شهواتهم من جانب، ومن تسلّط النظام الحاكم المتجبّر، وشباك علماء السوء، وعملاء البلاط الحاكم من جانب آخر. واستطاع كذلك أن يُربّي ثلّةً مؤمنةً وصالحةً، تصلح أن تكون أساساً للعمل في المستقبل. 


(*) بحث لسماحة وليّ أمر المسلمين دام ظله بتاريخ 2016م.
1. تُحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الحرّاني، ص 272.
2. (م. ن.)، ص 252.
3. (م. ن.)، ص 272.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع