نهى عبد الله
بينما كان يفترسه غضبه، انتزع من أدراج مكتبه كلّ المستندات والوثائق التي تدين صديقه. كان أكثر من صديق، كان أخاه، بئر أسراره، مرآته، ثقته... لكنه خذله حينما قرر منفرداً تسوية الأعمال بينهما، والانتقال لمشاركة غيره، دون شرح مسبق أو مبرر واضح، تركه في حيرة كبيرة، أصديقه هو أم عدّوه ليتركه في أصعب الظروف، مكبدّا ًإيّاه خسائر طائلة؟ لم تكن شيئاً أمام خسارة الثّقة!
"صديقي اللدود" هكذا سجّل على قرص حاسوب يحتوي مستندات تلحق الضرر بصديقه. وكشرارات حمم بركانية، توشك على الثوران لإحراق كلّ شيءٍ في طريقها، خرجت كلماته: "أنا من يعلم كل نقاط ضعفه، كل مخالفاته، سأضخمها ولن أرحمه". زفر ونظر إلى ساعته، عليه الذهاب قبل أن تفوته الطائرة، أجرى مكالمةً مختصرة: "سأترك القرص حيث اتفقنا، حمّله على الشبكة ليعرف الناس حقيقته".
وصل إلى بغداد، اقترح مضيفه بعد إنهاء عملهما التوجه إلى كربلاء. كانت مشاعره في الطريق خاملة، منهكة، كل ما يشغله خيبة أمله تلك، وأفكار الانتقام تراوده، قطع صوتُ مضيفه حبل أفكاره: "قبّل العتبة، أنت على باب أبي الفضل، نحن نعتقد هنا أن لا ظالم يجرؤ على تجاوز هذه العتبة المقدّسة". ابتسم، فهو المظلوم، وبثقة قبّل العتبة وتجاوزها بقدمه اليُمنى، وقبل أن تتبعها اليسرى تمهّل وأخذ يفكّر: "هل فضح صديقي ظلمٌ؟ لا هو قصاص، لكن أتراه من حقّي استغلال زلّاته؟ ما هو حقّي؟ أين حدودي في الانتقام، كهذه العتبة التي تفصل بين الظالم والمظلوم ولو معنوياً؟" استعجله مضيفه فالتقط هاتفه، وحرّر رسالةً: "ألغِ ما طلبته منك، سأواجهه وأطالبه بحقّي فقط"، دسّ هاتفه في جيبه مطمئناً، وتجاوز العتبة المقدّسة زائراً..