قال تعالى في كتابه الكريم: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) (المائدة: 54).
تنطوي الآية الكريمة الآنفة على إنذار وبشارة، إنذار لكل مسلم يرتد عن الاسلام، أو تسول له نفسه ذلك، بأن ارتداده عن دين الله لن يضر الله شيئاً ولا الأمة الإسلامية أيضاً، وإنما ضرر ارتداده سيعود على نفسه، وهذا ما أشارت إليه أيضاً البشارة التي تلت هذا الانذار، ومفادها أن الله سبحانه سيخزيهم فثي الدنيا بتعويض المجتمع والأمة الإسلامية عنهم، واستبدالهم بقوم هم على غير شاكلته، مؤمنين أقوياء في ذات الله تعالى، فعّالين في المجتمع يمدونه بكل روافد الخير والعطاء. هذا طبعاً من غير اغفال العذاب الأليم الذي سيصيبهم في الآخرة!.
وقد تمثلت في هذه الطائفة مجموعة من مواصفات كريمة تمثلت بـ:
أ – المحبة المتبادلة فيما بينهم وبين الله تعالى: إذ قال: (يحبهم ويحبونه) وما ذلك إلاّ للإيمان الذي احتوته قلوبهم وانطوت عليه ضمائرهم، مما أورثهم محبة الله سبحانه التي لا ينالها إلاّ المؤمنون الحقيقيون.
ب – التواضع للمؤمنين والتكبر على الكافرين: وهذا ما أفاده قوله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) حيث تراهم في أشد حالات التواضع مع المؤمنين بينما يُظهِرون العزة والكبرياء والشموخ والآباء في قبالة الكافرين والظالمين، ويعون أن الخضوع والتذلل أمام هؤلاء يؤثر سلباً على حركتهم العامة.
ج – الجهاد في سبيل الله: الذي لا يتوانون ولا يتراجعون عنه لأنه فريضة وتكليف إلهي، فهم في حالة جهاد دائم بالكلمة والموقف والسلاح وفي كل الميادين.
د – القوة والشجاعة: وهذه استمدوها من قوة الله سبحانه، فأصبحوا أقوياء بقوته، لا ترهبهم قوة الأعداء مهما عظمت ولا تخوفهم تسويلات ولا أراجيف المرجفين بل كانوا الذين (لا تأخذهم في الله لومة لائم).
وإذا ما تأملنا هذه المواصفات نجد أن توفرها مطلوب في الأنصار والأعوان لأي قائد مصلح في سبيل تحقيق أهدافه، ذلك أنه – أي القائد – يحتاج إلى أفراد يمتلكون روح الجرأة والشهامة مضافاً إلى روح الايمان، لكي لا ينجرفوا مع سواد الناس، ولا يتأثرون بظروف البيئة المنحرفة، ولا يقفوا سداً وحائلاً دون حصول الاصلاحات المطلوبة في حال عدم امتلاكهم لهذه المواصفات الروحية الرفيعة.
ولا ننسى أن اكتساب ونيل مثل هذه المواصفات، بالاضافة إلى سعي الإنسان لتحصيلها، مرهون بفضل الله سبحانه الذي يهبه لمن يشاء من عباده ويراه أهلاً وكفؤاً له (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم).
* مصاديق للآية الكريمة:
1 – أمير المؤمنين (عليه السلام): لا شك ولا ريب أن لهذه الآية مصاديق كثيرة عبر التاريخ الإسلامي، إلاّ أن المصداق الأبرز لها كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، ذلك الرجل الالهي الذي أبلى بلاءً حسناً في جنب الله، وقدّم خدمات جليلة للإسلام، فكان المساهم الأكبر في انتشاره وانتشار تعاليمه في ربوع المعمورة، وقد أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك قبل فتح حصن خيبر، وذلك بعد أن رأى عجز قادة جيش الإسلام عن فتحه بقوله: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يده".
2 – الإيرانيون: حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن تفسير هذه الآية أنه وضع يده الشريفة على كتف "سلمان" وقال ما مضمونه: "هذا وأنصاره وبنو قومه" فكان قوله هذا تنبؤاً بما سيؤول إليه أمر الايرانيين وتحولهم إلى الإسلام، ومدافعتهم عنه وجهادهم في سبيله، ولذا قال في حديث آخر: "و لكان الدين معلقاً بالثريا لتناوله رجالٌ من فارس".
وهذا بالفعل ما حصل إذ تحول الايرانيون في هذا العصر إلى أكبر قوة مدافعة عن الإسلام في العالم، وكان على رأسهم الاامام العارف والحكيم المُتألّه والفقيه الأكبر الامام الخميني قدس سره الذي لم تأخذه في الله لومة لائم، بل جاهد وناضل وكافح إلى أن أقام دولة الإسلام الممهدة لدولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولا تزال الجمهورية الاسلامية الى اليوم تحمل هذا اللواء بقيادة قائد الأمة الاسلامية وإمامها المفدى السيد علي الخامنئي الذي سيسلم الراية إن شاء الله تعالى الى صاحبها الأصيل الحجة بن الحسين عجل الله تعالى فرجه الشريف.
3 – أبناء المقاومة الاسلامية في لبنان: الذين يسطرون أعظم البطولات ويلقنون العدو الاسرائيلي – عدو الله – في كل يوم أقسى الدروس جرّاء جهادم وتضحياتهم الكبيرى في سبيل إعلاء كلمة الله وتمهيد الطريق وتعبيده لقدوم صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
4 – أنصار الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: الذين تبرز فيهم هذه المواصفات، - وقد أشرنا إليها في حلقة العدد السابق – والذين يواجهون الارتداد والمرتدين بكل قوة وبأس، ويملأون الأرض إلى جانب إمامهم قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.