مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

خاطرة: صياد الوهم


نسرين إدريس


"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم" (الجاثية: 23).
كنتُ أجلس في ظلمة نفسي، في زاوية من زوايا حياتي، أحدّق في منحوتة الفراغ الأخيرة المتبقية كمرآة للحياة.. وأفكر في اللاشيء اللامتناهي..
ليس ثمَّ ضياع أقسى من هذا، وليس ثمَّ ألم غير هذا..
حاولتُ جهدي أن أرسم وجهي.. أن أحدد هويتي.. أن أكتب اسمي.. فلم أجد غير أوراق ممزقة، هي بقايا الأمس والغد..
فأنا لستُ سوى صياد للأحلام على شاطئ الوهم، أرمي بشباكي أصطاد النجوم، ولستُ في أرضٍ، ولا في سماء.. إن هي إلاّ صحراء قاحلة يخيل في آخر مداها سراب لظلٍّ بائسٍ يحمل على أكتافه شباكه الفارغة ويغني ليسمع صداه يمزق وحدته القاتلة..
وليس هنالك موت إلاَّ هذا!..

أنا الذي قضيت أيامي سائراً في ظلمات دروب الحياة، أحمل قناديل العبث والغفلة لأبصر عبر حدقتيّ ما تهويان من ألوان الدنيا الزاهية، وقد أسدلت الأنانية ستائرها على فؤادي، فصار كل شيء في هذا الوجود يعكس صورة ذاتي، وصارت "الأنا" نقطة ارتكاز دائرة الضياع التي ليس من مهربٍ منها إلاَّ إليها. فكنتُ كالفراشة التي توحدت بالنار ألماً وعناداً محبة بالضوء، ولم تنتظر أن يمضي الليل السقيم لتشرق على جناحيها شمس تدعوها للسفر إلى حيث ترسم حدود الزهر.

أضعتُ طريقي وأنا أبحث عن الحقيقة في يم من الضباب.. فرحتُ أجول داخل هذا العالم لأرى المخلوقات التي منَّ الله عليها بنعمة الانسانية، ووهبها العقل والقلب والبصيرة لتسلك دروب الخير الموصلة إلى جلاله، فوجدتُ نفسي في عالمٍ لا أفق له، يسافر فيه البصر إلى حيث يضيع، ويرتد وقد تبخرت من أمانه كل المشاهدات لأن المآقي لا تملك من المادة شيئاً سوى أنها ترسم زوايا لا يلبث أن يمحوها النسيان ويبقى الفؤاد غائراً في عالم من الديجور الذي لا تعرف الشهب دروبه ولا البروق، غير أن الرعد المخيف المستقر في نبضه يمزق سكونه بدويه الصارخ..

نظرتُ إلى الدنيا فرأيت الناس وقد صاروا أسارى المادة، فهي التي تمتلكهم وتحدد أفكارهم وتختار عنهم أسلوب حياتهم، فإذا أعطاهم الله نسوه، وإذا ابتلاهم جحدوا وحقدوا..
بحثتُ عن المحبة في سلالهم، فإذا هي خالية إلاَّ من ثمار الطمع والضغينة، وقد عادوا من حقول أعذارهم وقد وأدوا الحق في قلوبهم.

سمعتُ أقوالهم، واتبعتهم عساني أكون في القافلة التي تسير نحو السكينة التي دعانا إليها الله، فحفظت أقوالهم، وأبصرت بأعينهم، فوجدت أن لكل منا في ذاته إلهاً يعبده، وقدّم نفسه قرباناً له على مذبح الأنانية العمياء..
وها أنذا، عدتُ وحيداً خالي الوفاض، خلا من الندم الذي يغلي ناراً في فؤادي، ومن الأحزان المسافرة في شرايين وجودي، وأمل أن يمتلئ القلب بصيرةً ونوراً من نور الله، ليغمض أجفانه بهدوء وطمأنينة، ليبصر عالم الحقيقة الذي ليس له من حد، وليس له من أفق، غير أن مشاهداته تبقى تحاكي النفس، وتناغي الروح حتى لو أصبح الجسد في كفن الموت..
فليس هناك حياة لمن لا قلب له..
وما الحياة إلاَّ قلب يسكنه الله.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع