رئيس التحرير
إلهي أنت الفياض الذي لا يؤوده شيء، ولا يحول دون وصول رحمته أحد. ولأنك كذلك فإنك تفيض على عبادك بكل خير وكمال وأنت القادر على كل شيء.
حقيقة إلهية تتجلى على قلوب العارفين، ويستضيء بنورها المستبصرون، ويسير بمراتبها السالكين. فهي منبع الحقائق وأصل كل خير، ومفتاح خزائن الرحمان في الدارين. وإليها أشار سيد العارفين ومولى الموحدين عليه السلام في مناجاته: "إلهي ماذا فقد من وجدك، بل ماذا وجد من فقدك". فمن أدركها بحقيقة اليقين يمم شطر وجوده إلى شاطئها المقدس، وأشاح بوجهه عن كل ما عداها: "عظم الخالق في أنفسهم فصغُر ما دونه في أعينهم" وهناك تلتمس العطايا، ومن أعظمها نعمة الهداية والتنوير: "العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده" على صفحات هذا العدد نقرأ قصة السالك والمريد، فهي قصة طالب وجد وقاربٍ وَرَد، هي قصة التسعيني الذي أدرك في سني عمره الأخيرة جاذبة الرحمان التي تعادل عمل الثقلين، فعشق إمام زمانه وانقطع عمن سواه. وبعشقه هذا أدرك كنه الحقيقة وأحرق كل أكوام التعلّقات، وخرق كل حجب الغفلة والضياع. وما أروع التربية التي تنطلق من نور الوحي ومشكاة النبوّة، ولا تتوقف عند حدود المصطلحات الجافة والقشور المتحجرة التي هي ظلمات بعضها فوق بعض. حيث أراد الإمام عليه السلام من عنوان البصري أن يدرك جوهر المعرفة بطلب الحق سبحانه، ولما وجده هكذا فتح عليه خزائن الغيب، لتمطر سحائبه بكرائم الكلم من صحائف اللوح المحفوظ. فابتدأه بقوله عليه السلام: "ليس العلم بكثرة التعلم".
لأن الحق الأشرف لا يمكن إدراكه برؤية النفس والأنانية، ولا بالركون إلى الدنيا ومحسوساتها. وعالجه بطلب العبودية قبل التعلم، لأن العلم نور يهدي إلى جوار الله. ولا يجاور الله إلا من اختص بحفظ أدب الحضور برعاية العبودية. وما أسوأ من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء لأنه يكون قد أضاع كل شيء بفقد الجوار وحظ اللقاء: "يا حسرتي على فرّطت في جنب الله" فإلى السالكين طريق الحقيقة والمشتعلين بجمرة العشق: يبقى حضور الله في أعماقهم ألذ نصيب لا يستبدلونه بعاجل الدنيا الفاني لأنهم هُدوا إلى الطيب من القول، وهُدوا إلى صراط العزيز الحميد.
والسلام عليكم