أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

كيف واجه الأسرى همجية الصهاينة (2)


الابتكار في مقابل التضييق
الأسير المحرر علي حيدر


إن قناعتي التامة بأني لا أستطيع أن أصور الواقع كما هو وأترجمه على الأوراق بكل حيثياته لأن القضية ليست قضية أن هناك إنساناً أمامه مواد معينة (على ندرتها) مطلوب منه أن يبتكر ويخترع منها (على الرغم من عدم تناسبها في الظاهر مع الابتكارات المرجوة) أقصى ما يمكن ويستطيع في إطار تلبية حاجاته..

وإنما هناك أيضاً مع كل خطوة مسار وسياق... مؤثر ومتأثر.. هناك توتر وقلق... حسابات وهواجس.. حزم وعزيمة... ترقب وحذر... آراء وآراء مضادة... هذه هي الحال التي رافقت وترافق كل قرار، كل فعل وكل موقف، لذا فإن المطلوب أن تستشعر ونتخيل الظروف والأجواء - قدر الإمكان - كلما سمعنا أو قرأنا عن حدث ما حصل في معتقل الخيام وخاصة بين سنوات 1985 - 1994 على تفاوت ونسب مختلفة.

* ظروف الابتكار ومجالاته:
إن سياسة الحرمان والتطويق والحصار والتضييق التي طبّقت على الأسرى والمعتقلين وذلك في مختلف المجالات الحيوية والثانوية (إن كان هناك شيء ثانوي في معتقل الخيام)... كالتواصل والتحصيل الثقافي.. الدواء - المياه - ملء الفراغ وحاجيات أخرى... كجزء من سياسة عامة واضحة المعالم والأهداف - استوجبت العمل على محاولة اختراق هذه الإجراءات ومواجهتها - وهذا ما حصل - وذلك عبر ابتكار أساليب معينة أو اختراعات تساهم في تخفيف المعاناة قدر الإمكان... ويكفي أنها جزء من حركة عامة هي ترجمة لقرار بالتصدي وعدم الاستسلام والركون إلى الواقع على رغم ظروفه المعروفة.

* دلالات الابتكار:
إن الابتكار يعتبر سمة عامة اتسمت بها حياة الإنسان بشكل عام وساهمت في تحقيق التقدم والرفاهية للمجتمع البشري... أيضاً كان للابتكار دور مهم في حياة المعتقلين أضف إلى ذلك أن له دلالات خاصة، أولاً أنه جاء رداً على سياسة التضييق والحرمان وفي محاولة لإحباط الأهداف الكامنة وراءه، وثانياً يعتبر تحققه إنجازاً مهماً لأنه حصل على رغم الإجراءات التي كانت تهدف إلى الحؤول دون توافر المقومات التي تمكن من ترجمة التصورات الذهنية إلى واقع مادي ملموس، هذه التصورات التي كان يتوق ويطمح الأسرى والمعتقلون إلى تنفيذها لتطوير واقعهم. أيضاً أن محاولة تحدي إجراءات المنع كانت تتسبب بمزيد من التضييق والمعاناة والأذية في حال تم كشفها، ومن هنا يتضح سبب اعتبار الابتكار وسيلة وسلاحاً من وسائل وأسلحة المواجهة.

* نماذج ومصاديق:
شملت ابتكارات الأسرى والمعتقلين مختلف جوانب ومجالات الحياة داخل المعتقل إذ أنه في مقابل سياسة منع التواصل بين الأسرى والمعتقلين الذي كان مفروضاً بنسب مختلفة من مرحلة إلى أخرى، ابتكر الأسر وسائل متعددة للاتصال والتواصل، منها أنه تم حفر ثقوب داخل الجدران الفاصلة بين الغرف وذلك بواسطة قطع حديدية طولها في أكثر الأحيان أقل من شبر (أقل من 20 سم) ومن ثم تمويهها وإخفاؤها (الثقوب) بعد الانتهاء منها عبر وضع كميات من الصابون على جانبي الثقب. بطريقة فنية - بما يتناسب مع لون الحائط حيث كانت هذه الثقوب مسرحاً لأحدايث ومواضيع كثيرة بعيداً عن عيون العملاء.

إن سياسة منع الأسرى من التحصيل والتبادل الثقافي جوبهت بتحديات وابتكارات متعددة حيث تم قبل التمكن من الحصول على أقلام رصاص وأقلام حبر بشكل سري والذي فيه نوع من المخاطرة استعمل الأسرى رماد السيكارة بعد تبليله بالمياه بمثابة حبر وعود الليمون أو ما شابه بمثابة ريشة والحائط بمثابة اللوح وحتى قطع من النيلون بمثابة أوراق. وفي حال كان يتم اكتشاف ذلك يترتب عليه إنزال أشد العقاب بالمتورطين.
وفي مقابل محاولات - ما يسمى بالشرطة العسكرية التابعة للحد - الإمساك بالشباب بالجرم المشهود (مع التسامح في التعبير) ابتكر الأسرى وسائل الإنذار المبكر، منها إذا شعر أي من الأسرى يتسلل الشرطة (وغالباً ما يُكتشفون) يضرب على الحائط 3 ضربات فينتبه القسم بأكمله... ووسائل أخرى لا تخطر على بال ولكن يحتاج شرحها إلى تفصيل وتصوير معين.

وأنهي هذه الفقرة بالقول إن هذا المجال واسع جداً ولا تكفي له هذه الأوراق... وإن هناك وسائل ابتكرت في مجالات الاتصال بالمعتقلين الجدد لتحذيرهم من العملاء، ولتأمين وجود الأدوية المتنوعة داخل المعتقل كان يتم توزيع الادعاء بالمرض على المعتقلين ضمن ترتيب معين، وحتى أنه تم صناعة أبر للخياطة (وهي قريبة جداً من الإبرة الحقيقية) وابتكار وسائل للحصول على الصحف والمجلات السياسية.. وهناك ما يتعلق بالطعام والمياه ووسائل إخفاء الممنوعات بطريقة يتعذر الحصول عليها على الرغم من التفتيش الدقيق في أغلب الأحيان إلاَّ أن يتم الابتلاء بأحد العملاء المدسوسين.

* ردة الفعل:
لقد شنَّ جهاز الأمن والشرطة العسكرية (العملاء) حرباً لا هوادة فيها على أسلوب الابتكار الذي اتبعه الأسرى حيث كان يبرز الانتقام بشكل واضح أحياناً، ولعل السبب في ذلك شعورهم بالتحدي من قبل الأسرى ما أثار غيظهم وحقدهم...
إلاَّ أن الأسرى بدورهم كانوا يموّهون ويثابرون ويطوّرون... واستمر السجال في الحرب وكانت الغلبة بشكل عام للمعتقلين ضمن مقاييس تتناسب وواقع الحال. وبقي الوضع على هذه الحال حتى تغير سنة 1995 مع دخول الصليب الأحمر الدولي حيث سمح على هذا الصعيد بالكثير مما كان ممنوعاً منذ عام 1985م.

* وقائع ودلالات
إن معرفة البنية الفكرية والنفسية للعملاء أمر مطلوب وضروري بحد ذاته فضلاً عن أنه يشكل مدخلاً للوصول إلى أمور أخرى... ويمكن تحصيل هذه المعرفة من خلال الاطلاع على بعض الأحداث والمواقف والتي يشكل العملاء أحد أطرافها.
عندما كان أحد الأخوة الأسرى يعمل في مطبخ الثكنة والمعتقل (الخيام) ومن خلال وجوده هناك واحتكاكه الدائم مع العملاء اللحديين استطاع أن يعرف بعض المعلومات الشخصية عن المسؤول العسكري للثكنة (عامر الفاخوري) منها أن له علاقات معينة مع إحدى الفتيات في منطقة الشريط الحدودي كما عرف شيئاً من ظروف هذه العلاقة.

وبعد أن علم أن عامر الفاخوري رأى في منامه رؤية معينة لها علاقة بهذه القصة وأنه متأثر بها وقلق منها أوحى عندها الأخ الأسير للعملاء بأنه يفسر منامات بشكل جيد (جيد في تفسير المنامات) مما دفع أحد المسؤولين العملاء الذين يعرفون بخبرة الأخ الأسير إلى أن يخبر مسؤول المعتقل (صاحب المنام) بأن فلاناً الأسير يتقن تفسير المنامات.

عندها أتى عامر الفاخوري بنفسه إلى المطبخ حيث يوجد الأخ وقال له... أريدك أن تفسر لي هذا المنام، وأخذ يسرد له المنام، وبعدها بدأ الأخ يفسر له بطريقة تنسجم تماماً مع الفتاة المذكورة وظروفها وبتفصيل يشعره بالخبرة والصدق (كونه يعرف مسبقاً بالقصة) مما أذهله وسلَّم له كلياً.
عندها قال عامر الفاخوري للأخ ماذا تريدني أن أفعل، قال له الأخ يجب أن أرقيك (الرقوة) فقبل بذلك. والتف الأخ من وراءه وبدأ يفرك له شعره بيديه ويرفع صوته بالبسملة وغير ذلك من الآيات وعندما ينخفض صوته يكيل له الشتائم والإهانات واللعنات... رأس مسؤول العملاء (في معتقل الخيام) بين يدي الأخ يفركه.. وبقي على هذه الحال فترة من الوقت ثم نهض (العميل) وهو في حالة توتر وعندما همّ بالرحيل طلب من الأخ مجموعة أمور وطلبات يحتاج إليها الأخوة المعتقلون فأمر عندها بتلبية مطالبه...
هذا هو مستوى كبير العملاء.. وهذه هي روحه..


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع