يقول سبحانه وتعالى في كتابه المجيد ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الكهف: 7).
ـ انطلاقاً من هذه الآية الكريمة نجد أن الدنيا هي محل بلاء والبلاء هو الاختبار والامتحان، والاختبار يكون بالخير والشر وليس بالشر فقط، فيقال أبلاه اللّه بلاء حسناً وابتلاه معروفاً، ويقول الحق المتعال ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ (الأنفال: 16). وكل ما يمتحن اللّه به عباده يدعى بلاءً والاقتدار والمال والزعامة والعظمة، ولكن عندما يُذكر البلاء ينصرف الذهن إلى القسم الأول وهو النقص والفقر وهذا عكس ما نراه في الآية التي تقول: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون﴾َ (الأنبياء: 35. إذاً البلاء هو بالخير والشر، وفي قوله تعالى: ﴿الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾(محمد: 4). وشيئاً فشيئاً تتجذَّر محبة الدنيا في قلبه أكثر، وكلما توافرت وسائل العيس والراحة بشكل أوفر أصبحت روحه التعلق بالدنيا أقوى، وكلما كانت غفلته عن الآخرة والحق تعالى أكثر دون اختيار، وهذا ما يؤكّده ابتلاء أكثر الناس بأسقام وآلام ومعاناة فنراهم يهربون منها إلى الأفضل، فنرى أنهم لا يطيقون هذا النوع من الحياة عكس من لا يعاني فنراه لا يحب أن يتركها وهو متمسِّك بها.
هنا يأتي البلاء ليوقظ الإنسان المتعلق بالدنيا ليرشد. إن الدنيا ليست الدار المقر فيرجع إلى دينه ويصلح أمر نفسه بعد أن ظلمها حيث نرى اللّه سبحانه يقول: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾(الروم: 41).
ومن فوائد شدة ابتلاء الخواص من العباد، أن هؤلاء من خلال المحن والمعاناة يذكرون الحق ويناجونه ويتضرعون على أعتابه المقدسة ويعيشون مع ذكر اللّه وفكره فكلما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أكبر، وللمؤمنين دجرات لا ينالونها إلا من وراء المصائب والأسقام والآلام، ويُحتمل أن تكون هذه الفوائد صورة للإعراض عن الدنيا والإقبال على الحق تعالى، ويمكن أن تكون صورة لهذه المحن حيث لا تبلغ إلا بعد حصولها وابتلاء الإنسان بها، كما هي بالنسبة للشهادة في سبيل اللّه فالفوائد لا تحصل إلا بعد وقوع الشهادة في الدنيا، إن البلاء نعمة وكرامة من اللّه للمؤمن، . فهو موقظ ومُوصل إلى الدرجات العُلى في الآخرة حيث إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده كما روى الصادق عليه السلام وهكذا كل بلية ولها درجة، وهذا العالم بكل ما فيه ليس محلاً للثواب على البلاء والامتحان ولا محلاً للعذاب والعقاب الحقيقي.