مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تسابيح جراح: حلّقـتُ ثلاثاً!


لقاء مع الجريح المجاهد محمد حسين الطقش (نور الزهراء)
حنان الموسويّ


لم يهدأ القصف هنيهةً. ساعتان والقذائف تهطل كالودق المنصبّ حمماً من السماء. ثلاثة شهداء سقطوا أمام عينيّ، وأمّا قذيفة الهاون ١٢٠ التي أدناها الشوق منّي، فرفعتني حين انفجرت لأحلّق مع الأملاك. ثلاثون متراً لم تكن كافيةً لألقى حتفي. توسّد خدّي التراب حين ارتطمتُ بالأرض، وبُترت قدمي من الفخذ، ومُزّقت الأخرى بعمق حتّى العظم، كما اختُطف أحد أصابعي مع كسورٍ في عظام اليد.

•إصابات ثلاث لم تُقعدني
انتسبتُ إلى كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عام 2005م. كان المسجد صديقي، له حبّ كبير في قلبي. وللشهيد "ساجد ملك" أثرٌ بالغٌ في حياتي؛ إذ كان السبب المباشر لدخولي في الخطّ الجهاديّ، فخضعتُ لدورَتين جهاديّتين، وانضممتُ إلى صفوف المجاهدين.

ثمّ نُقلت إلى سوريا للمشاركة ميدانيّاً في الحرب للدفاع عن المقدّسات ضدّ الدواعش. كنت عنصر اشتباك حينها. شاركتُ في العديد من المعارك على امتداد الأراضي السوريّة. مشاركتي الأولى كانت في "القلمون"، حيث وضعنا كربلاء نصب أعيننا فعشناها بتفاصيلها. ومع كلّ إصابة قضمت من جسدي بعضه، كنتُ أقترب من فهم عاشوراء أكثر.

إصابتي الأولى كانت في "الزبداني"، عندما تطاير حجرٌ إثر انفجار قذيفة الـB7 ، فأصاب رأسي، ما سبّب لي ارتجاجاً دماغيّاً نتجت عنه غيبوبة مدّة أسبوع في المشفى. إصابتي الثانية كانت في "حمص"، حينما رمى التكفيريّون 300 جرّة ملأى بمادّة "الكلور"، فأدّى تنشّقي المادة إلى تسمّم كبدي. كما أنّ معاناتي مع مرض الربو المزمن، تسبّبت بمكوثي في المشفى مدّة أسبوعين آخرين. 

عدتُ إلى الميدان من المشفى مباشرةً بعد شهادة صديقي "حمزة المقداد". فوران دمي ما هدأ إلّا حين شاركتُ في المعارك من جديد.

إصابتي الثالثة كانت في "حلب". كسرٌ في يدي لم يقعدني عن الجهاد مطلقاً. شاركتُ في ملحمة حلب الكبرى، والجبيرة حول يدي. 

•ملحمة بدر الكبرى
وما أدراك ما ملحمة حلب الكبرى! معركة يمكن تشبيهها إلى حدٍّ ما بمعركة "بدر الكبرى" لشراستها. ثلاث تلال استراتيجيّة وجبت السيطرة عليها؛ ليكون زمام الأمور في أيدي المجاهدين، ولتطهير "حلب" من آلاف الدواعش المتمركزين فيها، ولقطع الإمداد عنهم من العراق والشام. في بداية الهجوم، ارتقى 33 شهيداً. كانت الخطة أن نُقسَّم إلى مجموعات تتبادل فيما بينها المهام. قامت مجموعتان في الوقت عينه بالهجوم على تلّة "الباز" وتلّة "السيرياتيل" وتلّة "الرّخم". الراكضون على أعوامهم عزموا على النصر. مجموعة واحدة نجحت بالتسلّل، وأسقطت تلّة "الرّخم"، بينما التلّتان الباقيتان لم تَسقُطا؛ نظراً لقلّة عديد المقاومين. ثبّت أفراد المجموعة انتصارهم، ووُضعت خطّة لحراسة التلّة. جاء دورنا في اليوم التالي كبديلٍ للحماية، وحين عرف التكفيريّون بسيطرتنا على التلّة، صبّوا جامّ غضبهم فوق رؤوسنا. كان القصف عنيفاً، دام ساعتين دون انقطاع. أُجبروا على إيقاف القصف حين أطلّت الطائرات العسكريّة الروسيّة وبدأت القصف. لم تهتزّ عزيمتنا رغم الخطر وظلال الموت التي خيّمت فوقنا. هدأ الوضع قليلاً حتّى اليوم التالي، حيث استُهدف أمير داعشيّ من قِبَل المجاهدين. بعد قتله، ثارت ثائرة الإرهابيّين، وبدؤوا باستهداف التلّة. استشهد بعض المجاهدين، وهوَت قربي قذيفة هاون 120. بسقوطها، ارتفعتُ إلى السماء. في ابتهالات المشاعر، كنتُ قد ناجيتُ الله أن يقبلني بجراحٍ لا تزول، والشكر له أن تقبّل قربان دمي. 

•شهادة متكرّرة
قام المسعفون بحملي إلى الإسعاف الميداني. لكن أثناء نقلي، استهدفنا التكفيريّون بصاروخٍ موجّه، فاستشهد المسعفان واحترق الغطاء الذي كانا يحملانني عليه، فاحترق جسدي معه بالكامل، سوى منطقة وشمتُ عليها عبارة: "خذي من قلبي قبراً لكِ يا زهراء"، وكان الإعجاز. انزلقتُ من أعلى التلّة نحو الأسفل، حيث يتمركز المجاهدون في معمل "البراغي". سُحبت ووضِعت مع الشهداء نظراً لحروقي البالغة، لكنّ شهقةً واحدة دلّت مَن حولي على أنّ النبض لم يخذلني، فنُقلتُ إلى مشفى حلب الجامعيّ. هناك، على قدر أوجاعي حُقِنت بالمسكّن، وقد كانت الجرعة كفيلةً بإيقاف قلبي عن الخفقان، فوُضعت مرّة أخرى مع الشهداء! 

ثلاثة أيامٍ مرّت، وأنا في برّاد الشهداء، لكنّ حجارةً صغيرةً عالقة في حنجرتي دغدغتني، دفعتني للسعال بعد أن اختلجت الحياة في أوصالي من جديد. طرقتُ على باب البرّاد إلى أن سمعتني الممرّضة، فهرعت إليّ لتطبيبي، ولكنّي ما لبثتُ أن دخلتُ مجدّداً في غيبوبةٍ، فظنّوا أنّي استشهدت أيضاً! حينها، نُقِلت بالطائرة إلى الأراضي اللبنانيّة، حيث احتواني برّاد الشهداء مرّة أخرى، لكن أثناء الطريق إلى مشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، مسّني الفيض الربّانيّ، فارتدّ العمر إلى أعوامي. سعالي الحادّ أوقف السائق للتأكّد ممّا سمعه، فأصابه الذهول حين وجدني حيّاً، فأسرع بي إلى المشفى. 

•عرس الجراح
أُدخلتُ مباشرةً إلى غرفة العمليّات، حيث خضعتُ لثلاث وثلاثين جراحة على مدى ثلاثة أشهر. كنت أفقد الوعي وأستعيده، وقد تكرّر ذلك مرّات عدّة. بعدها، زارني في عالم الرؤيا بدر الهاشميّين عليه السلام، المضيء في سماء حزني، أخبرني أنّ جراحي أقسى عليه من سهم عينه، وأنّها مقبولة، كما أنّ مواساتي للسيّدة زينب عليها السلام وحمايتي لها تعنيه كثيراً. مسح على حروق عينيّ، ووجهي، ويدي فبرئت، وسقاني مياهاً برّدت ظمئي. تلك الرؤيا دسّت كميّة هائلةً من العزيمة والقوّة في عروقي، وزادتني عقيدةً لا توقف مجراها الآلام على مرّ الأيّام، إلى أن جعل الله رؤياي حقّاً بعد أن شُفيت حروقي، وأشرق النور في عينيّ من جديد.

• علاجٌ وبشرى
والدتي كانت ترعاني في المشفى، رغم تعبها الشديد، لثلاثة أشهر متواصلة، وكذلك أبي وأخوتي ما تركوني. لازمتُ الكرسيّ المتحرّك خمسة أشهر، بعدها خضعتُ لعلاجٍ فيزيائيٍّ مكّنني من السير لاحقاً. 

بعد خروجي من المشفى، عانيتُ من أوجاع في رأسي بسبب الإصابة، ممّا سبّب لي كهرباء في الرأس وغياباً متكرّراً عن الوعي. أعاقر الكثير من الأدوية، خصوصاً المسكّنات، نظراً لكمّ الألم الهائل الذي أشعر به.

لا شيء يرفع عن فمي ثوب الكلام، سوى شكر الله أن أعطاني زوجةً زينبيّة عام 2017م. بسبب خطأ طبّي، حُرمت من القدرة على الإنجاب. وبعد معاناة، حضرتني السيّدة الزهراء عليها السلام وبشّرتني بابنةٍ، اسمها فاطمة الزهراء، وأوصتني بالاهتمام بها، وهذا ما حصل.

تلك القريبة بين جفني وجفني، أدأب على تربيتها تربيةً دينيّة سليمة. أحرص على تعليمها القرآن وأحضّها على حفظه، كما أسعى لتكون زينبيّة بحقّ. من فرط رقّتها، أخال عروقها يجري فيها الورد. 

•رسالة ومحبّة
للسيّد حسن نصر الله (حفظه الله) أقول: متى أراك يا سيّدي كمشتاقٍ لمشتاق؟ فالعمر وهبتك إيّاه يا أقدس الأوطان. حبّك المنهمر داخلي يعطيني زخماً للعطاء، ويعينني على ابتلاء الدنيا. قلبي سفينة يهدهدها موج حضورك، لا حرمنا الله منك يا ابن الزهراء عليها السلام.

أوجّه كلمة للناس مستعيناً بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من ترك الجهاد، ألبسه الله ثوب الذلّ". أتمنّى منكم الالتفاف حول المقاومة، التي حملت في كلّ ريحٍ الدرب المتعثّر والخطر عنكم، وحمتكم بأرواح مجاهديها ودمائهم؛ لأنّ خطّها ممهّدٌ للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، المتوقّف ظهوره على أعمالنا وجهادنا للظلم. لا تركنوا يا أهلنا للضغوطات، فطريق آل البيت عليهم السلام منذ الأزل مليء بالمكاره والمصائب، وعلينا يا أشرف الناس الانصهار بقائدنا لننجو. 

للمحجّبات المتبرّجات اللواتي يضربنَ الثقافة الدينيّة، ويؤلمنَ قلب الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويقلّدنَ الغرب، أقول: أخواتي العزيزات، ارأفنَ بقلب السيّدة الزهراء عليها السلام، وحافظنَ على حجابها، فابنتها سُبيت ليُصان الدين والحجاب.

للجرحى أقول: أيّها العاكفون على الجراح، العارفون بلا رؤى أنّ الآلام بعين الله. نحن رغم الجراح مستمرّون. إن لم نجاهد بأيدينا، سنجاهد بالدعاء، وسنستمرّ بخدمة الناس ما حيينا، فالجراح والأوجاع ما هي إلا أوشام ترتّل ضوء الحبّ والوجد في سماء الله، فقط من أجل رضاه. 

 الاسم الجهاديّ: نور الزهراء.

تاريخ الولادة: 26/11/1994م.

مكان الإصابة وتاريخها: حلب 25/10/2016م.

نوع الإصابة: بتر القدم من الفخذ، واحتراق الجسم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع