الشهيد حسن محمّد حمّود (نور حولا)
ولاء حمّود(**)
التفت القائد يميناً ويساراً مسلِّماً على الكريمَين الكاتبَيْن، فوق كتفَيه، معلناً ختام ركعتَي شكر لله على ما أنعم عليه من نجاح في صدّ هجوم مباغت قام به الدواعش على موقعهم.
رفض دعوة صديقه إلى الغداء قبل حلول صلاة الظهر، ودعاه إلى مرافقته في جولة تفقّديّة للموقع وجواره. انضمّ إليهما عدد من المجاهدين الذين رغبوا أيضاً في الاطّلاع على نتائج المعركة التي دارت رحاها منذ قليل، وقد أسفرت عن دحر المسلّحين وتكبيدهم خسائر بشريّة، استلقت على الرمال الممتدّة بين الموقع والجهة المقابلة التي هجم منها المسلّحون.
* "أوَتسقي الجريح وتطعمه؟!"
كانت الشمس حارّة في عزّ تمّوز، وقد شربت الرمال دماء الجثث التي صهرتها حرارتها بسرعة غير معهودة؛ فالمكان صحراويّ قفر، ورياح الصحراء خانقة، تهبّ مشبّعة بالرمال التي تغطّي الجثث وتكشفها في آن، وتقتحم العيون التي أضناها السهر ثمّ القتال العنيف الذي خاضوه لساعات.
طلب القائد من مجاهديه حماية وجوههم من رمال الصحراء حرصاً على عيونهم، بفضلة شملاتهم أو بغطاء الخوذة البلاستيكيّ لمَن يحملها، وراح معهم يحصي عدد الجثث التي تفرّقت حيناً وتلاصقت أحياناً. وأكّد على مجاهديه حرمة قتل جريح أو التمثيل به، فضلاً عن رفضه ركل الجثث، احتراماً لحرمة الميّت ولو كان عدوّاً، فسأله أحدهم:
- "أوَتسقي الجريح وتطعمه لو صادفته يا حاج نور؟" فأجاب دون تردّد: "بل وأسعفه أوّلاً، ثمّ سأفعل ما ذكرتُ حتماً، سيكون أسيرنا، وقد أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّتنا عليهم السلام".
* "دعكَ منه"
تابع المجاهد سيره مع رفاقه، ووسّع خطاه ليصبح بجوار قائده، واتّجهت أنظاره تلقائيّاً إلى حيث أشار القائد قائلاً بدهشة: "انظروا جميعاً، إنّهم يزجّون بالفتيان الصغار في المعارك، يا إلهي ما أشدّ وحشيّتهم، إنّهم قساة القلوب، حتّى على أبنائهم، لا عجب أن يعتمدوا الذبح والحرق وسائر أساليبهم اللئيمة في قتلهم أعداءهم". وانحنى القائد يتأمّل جثّة فتى أبيض الوجه قُتل في إحدى المعارك، لم تخط سنواته الأربع عشرة على وجهه الصبوح خطوط لحية أو شارب، ودمعت عيناه وهو يقلبه بشملته كي لا يباشره، فيوجب على نفسه في تلك الصحراء التي يعزّ فيها الماء، غسل مسّ الميّت.
وإلى هذا أشار المجاهد السابق مستنكراً: "حاج نور ماذا تفعل؟ دعك منه ولنتابع طريقنا. بات موعد صلاة الظهر قريباً، وكلّنا متعبون وجائعون، ويجب أن نعود لنستريح قليلاً".
- "لا يا صديقي، لن أعود قبل دفن هذا المسكين المغرَّر به. كان يفترض أن يكون هذا الفتى في صفّه بين رفاقه أو ملعب صباه، وبعدها، على مائدة الغداء بين إخوته مع أمّه وهي تضع له ما طبخته لهم بحبّها وحنانها، لن أتركه لوحوش الصحراء تنهشه. سأدفنه بيدَي هاتين، رحمةً بطفولته التي لم يرحمها كباره، وقضوا عليه أن يختم نهاره وعمره فوق هذي الرمال جائعاً ظامئاً مضلّلاً".
* دمعات ساخنات
لم يناقش المجاهد قائده، بل عاونه مع الباقين في حفر قبر يواري ذاك الفتى المسكين الذي حكم عليه كبار قومه بهذه الميتة القاسية في تلك الصحراء البعيدة. ولاحظ المجاهد أنّ القائد بعد أن فرغ من مواراة الفتى في ضريحه الصحراويّ الحارّ، قد نفض فوق الضريح، الرمال عن يدَيه، ثمّ مدّ يده تحت غطاء الخوذة البلاستيكيّ يمسح دمعات ساخنات، انحدرن مسرعات، من مقلتيه، ولم ينجح في إخفائها عنه وعن سائر المجموعة.
(*) هذه القصّة رواها مجاهد رافق الشهيد القائد الحاجّ حسن محمّد حمّود (نور حولا) في هذه الواقعة، وشاهد بعينه هذا الفعل الإنسانيّ النبيل منه، في إحدى المعارك التي خاضها في سوريا، قبل شهادته بأشهر عديدة. وقد رواها لأهله بعد استشهاد القائد في حلب على طريق كاستللو، بتاريخ 17/2/2015م.
(**) أمّ الشهيد حسين كمال حمّود (رضوان فاضل) الذي استشهد في 30/11/2015م.
.
أبو ذو الفقار
2022-02-04 10:27:29
السلام على الشهداء الصديقين السلام على ضحى بروحه في سبيل العقيدة والولاية
صور جنوب لبنان
ابو القاسم
2024-04-24 22:03:26
تقبل الله شهادتك وحشرك مع الصديقين ومع محمد وآل محمد انت طبعا لا قياس بينك وبين السيدة الزهراء لكنك مثلها دفنت حيث لا احد يعرف اين واست امك فاطمتنا بك هنيأً يا شهيد