.. واعلم أن الإعجاب ضدّ الصواب، وآفة الألباب، فاسعَ في كدحك، ولا تكن خازناً لغيرك، وإذا أنت هُديت لِقصدك فكن أخشع ما تكون لربك.
واعلم أن أمامك طريقاً ذا مسافةٍ بعيدة، ومشقَّةٍ شديدة، وأنه لا غِنى بك فيه عن حُسن الارتياد، وقَدرِ بلاغِك من الزَّاد، معَ خِفة الظَّهر، فلا تحمِلنَّ على ظهركَ فوقَ طاقتك، فيكون ثقلُ ذلك وبالاً عليك، وإذا وجدتَ من أهل الفاقة من يحمل لكَ زادكَ إلى يوم القيامة، فيُوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادرٌ عليه، فلعلَّك تطلبهُ فلا تجده. واغتنم من استقرضَكَ في حال غناك، ليجعلَ قضاءهُ لك في يوم عسرتِكَ.
واعلم أنَّ أمامك عَقبةً كؤوداً، المُخفّ فيها أحسنُ حالاً من المُثقل، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المُسرع، وأن مَهبِطَك بها لا محالة إما على جنةٍ أو على نار، فارتد لِنفسك قبل نُزولك، ووطىء المنزل قبل حلولك، "فليس بعد الموت مستعتبٌ" ولا إلى الدنيا منصَرفٌ..