مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه: مشكلة الحضور في مجالس المعصية

الشيخ محمد توفيق المقداد


قد يعيش الإنسان أحياناً في مجتمع ذي طبيعة ثقافية واحدة ناتجة عن اشتراك أفراد ذلك المجتمع في عقيدة مشتركة، وتنتج أنماطاً متوحدة أو متقاربة في العادات والتقاليد والأعراف وأنواع السلوك.
وقد يعيش أحياناً في مجتمع ذي طبائع ثقافية متنوعة مصدرها تعدد العقائد، ما يستلزم بالتالي تنوعاً في العادات والتقاليد وغير ذلك.
ثم إن المجتمع ذا الطبيعة الثقافية الواحدة قد يكون قابلاً للتكيف والتأقلم مع الطبائع الثقافية الأخرى، بنحو لا تبقى لذلك المجتمع شخصيته الفكرية المستقلة، وتارة لا يقبل ذلك المجتمع التأقلم بسبب متانة عقيدته المانعة له من ذوبان شخصيته الفكرية ضمن الآخرين.


كما أن المجتمع ذا الطبيعة الثقافية الواحدة تارة قد يعيش حالات الانضباط التام مع عقيدته كائناً ما كانت، وأخرى قد يعيش حالات انحراف كلية أو جزئية عن تلك العقيدة.
وعقيدة ذلك المجتمع تارة قد تكون إلهية المصدر، وأخرى قد لا تكون كذلك، والإلهية المصدر قد تكون غير محرَّفة، وأخرى قد تكون محرَّفة بسبب عوامل طارئة أثمرت ذلك التحريف في مفردات العقيدة ومنهج الحياة.
وهذا هو التقسيم العام للمجتمعات البشرية بحيث نتمكن من وضع كل مجتمع في الفئة العقائدي التي ينتمي إليها.
وهنا نرى أن سائر أهل العقائد من غير المسلمين لا يوجد عندهم حصانة ومتانة في عقائدهم بحيث تحميهم من أخطار التأثر حتى السلبي منه بأهل العقائد المشابهة لهم، بل إن حصول التداخل في العادات والتقاليد والسلوك ممكن الحصول جداً بل هو واقع أيضاً كما نرى في الكثير من المجتمعات غير الإسلامية في هذا الزمن.

إلا أن المشكلة هنا تبرز عند المسلمين باعتبار أن عقيدتهم هي إلهية المبدأ والمنتهى، وتملك دستوراً شاملاً لكل مفردات السلوك الإنساني يحدد لكل فرد وفي أي موقع من مواقع الحياة طريقة تصرف المطابقة للشريعة.
ومن هنا فعندما يعيش المسلم في مجتمع ذي طبيعة واحدة تعاني من حالات انحراف معينة مع الاشتراك في العقيدة، أو عندما يعيش في مجتمع غير مسلم أو في مجتمع يضم خليطاً من أهل العقائد، فإنه سوف يصطدم حتماً بمشكلة يمكننا أن نطلق عليها تسمية (الحضور في مجالس المعصية) الناتجة عن ذلك الانحراف أو عن التنوع العقائدي.
وهنا يأتي دور السؤال التالي: (ما هو الموقف الذي ينبغي أن يفقه المسلم؟ وبالتالي ما هو نوع التصرف الذي ينبغي أن يمارسه في مثل تلك الحالات؟ هل يندمج ويتفاعل مع ذلك الجو السلبي المنحرف عن عقيدته؟ أو ينعزل عن كل ذلك كائناً ما كانت النتائج المترتبة على ذلك؟ أو يأخذ أسلوباً معيناً يحاول فيه قدر الإمكان أن يحافظ على شخصيته المستقلة من دون أن ينعزل كلياً؟ أو يشترك فقط في الأمور التي لا تخالف عقيدته ويترك المشاركة فيما هو مخالف؟).

وإذا أردنا الدخول في عالم الأمثلة من أجل تقريب الصورة أكثر نقول (لو فرضنا أن شاباً ملتزماً تلقى دعوة للحضور إلى حفلة تقام في مطعم معين، ومن مفردات تلك الدعوة مثلاً وجود مغنية أو رقص أو شرب الخمور أو وجود حالات من العري الفاضح من بين النساء المشاركات أو ما شابه ذلك فهنا ماذا يفعل المسلم الملتزم؟).

أو لو فرضنا أن هذا الشاب المتدين يريد الذهاب إلى مسبح في فصل الصيف، وكان من بين الحضور هناك النسوة اللواتي لا يلبسن إلا ما يستر العورة من الثياب، مع ما هناك من الاختلاط الفاضح بين الجنسين، فهنا ماذا يفع لذلك الشاب؟
أو عندما يكون الشاب الملتزم طالباً في الجامعة أو في أي معهد علمي وهناك حفلة تخرج أو ما شابه ويوجد فيها الكثير من المحرمات، فما هو العمل فيها؟

إن الحكم الأساسي لكل تلك الأمثلة وما شابها عند سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" هو حرمة المشاركة في كل تلك النشاطات المتنافية مع الشخصية الإسلامية الملتزمة، لأن المسلم عليه أن يمارس قناعاته العقائدية وأحكامه الشرعية بطريقة لا تجعله منهزماً ومربكاً أمام الآخرين الذين لا يوجد لهم حصانة مع عقائدهم ويسقطون عند كل أمر من هذه الأمور المنحرفة.
وللسيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" استفتاءات عديدة في هذا المجال ننتخب بعضاً منها لتوضيح الصورة أكثر:

* في بعض الأحيان يقام حفل ضيافة جماعية من قبل أساتذة أو جامعة إحدى الدول الأجنبية، ومن المعلوم مسبقاً وجود المشروبات الكحولية في تلك المجالس، فما هو التكليف الشرعي للطلبة الجامعيين الذين يريدون المشاركة في هذا الحفل؟
ـ لا يجوز الحضور في مجلس تُشرب فيه الخمور، ودعوهم يعرفوكم ـ بما أنكم مسلمون ـ تعارضون شربها.

* إذا دخل رجل أجنبي إلى حفل الزفاف وكان في المجلس إمرأة لا ترتدي الحجاب وكان يعلم بعدم الجدوى في نهيها عن المنكر، فهل يجب عليه ترك المجلس؟
ـ الخروج من مجلس المعصية اعتراضاً على عملهم إذا كان مصداقاً للنهي عن المنكر فهو واجب.

* هل يجوز الحضور في المجالس والمحافل التي يُستَمع فيها إلى أشرطة الغناء المبتذلة؟
ـ لا يجوز الحضور في مجلس الغناء والموسيقى المطربة اللهوية المناسبة للمجالس اللهو والعصيان إذا أدى ذلك الحضور للاستماع إليها أو إلى تأييدها.
فالمبدأ إذاً عند المسلم الملتزم ينبغي أن يكون عدم المشاركة في أيٍ من النشاطات التي يغلب عليها طابع المعصية لله عزّ وجلّ والمخالفة لأحكام الدين الإسلامي.
نعم هناك استثناء واحد وهو فيما لو اضطر المسلم إلى المشاركة بنحو لا مجال لديه للتهرب أو للتملص كما لو كان هناك احتمال قوي لحصول ضرر عليه فيما لو لم يشارك، فهذه الحالة الاستثنائية تتيح للمسلم المشاركة لأن القاعدة القرآنية تقول: (... إلا من اضطر غير باغٍ ولا عادٍ) وكذلك القواعد الشرعية المقررة مثل (رفع عن أمتي تسع.. ومنها ما اضطروا إليه) وكذلك فتاوى المراجع العظام، ومنها فتاوى السيد القائد الخامنئي "دام ظله"، وكنموذج نذكر الاستفتاء التالي:

* في الجلسات والندوات العلمية التي تقام في إحدى الدول يستفاد عادة من المشروبات الكحولية لاستضافة الحضور، فهل يجوز المشاركة في هذه الجلسات والندوات؟
ـ لا يجوز الحضور في مجلس يُشرب فيه الخمر إلا لمن اضطر إليه، وفي هذه الحالة عليه أن يقتصر في ذلك على مقدار الضرورة كما يجب عليه مراعاة الطهارة والنجاسة في أعماله المشروطة بالطهارة.
ومن هنا نفهم أن جواز المشاركة في حالات الاضطرار لا تبيح للمسلم أن يفعل كغيره، بل عليه أن يجتنب قدر الإمكان أكثر ما يمكن اجتنابه في مثل تلك المجالس، وهذا الاضطرار للمشاركة هنا هو من أجل دفع الضرر الحاصل أو المفسدة الأكبر التي قد تصيب المسلم في حال عدم المشاركة، إذ من أجل تحصيل منافع أكبر يستفيد منها المسلمون وتكون أقوى نتاجاً لمصلحة الأمة من حال عدم المشاركة التي تؤدي إلى خسارة تلك المنافع والفوائد.

وهنا قد يُطرح سؤال آخر وهو (أنه إذا كان الحضور في مجالس المعصية حراماً بحسب المبدأ، فهل يجب على المسلم أن يمتنع عن السكن في مجتمع أو محيط يغلب على طابعه وحياته عنوان "مجالس المعصية"؟).
والجواب هنا أن الإسلام لا يحرِّم على المسلم السكن في مجتمع أو محيط يغلب على معيشته وحياته طابع "مجلس المعصية" طالما أنه مستقل بحياته، ولا تأثير لذلك المحيط عليه، وهذا في حالات الاضطرار إلى السكن والعيش في مثل تلك المحلات والأماكن، أما إذا لم يكن مضطراً للسكن في مثل ذلك فالأفضل اختيار السكن في الأجواء التي تساعد المسلم على الالتزام الأقوى والأشد، وللسيد القائد الخامنئي فتوى واضحة في هذا المجال حيث يوجد استفتاء وهو:

* ما هو حكم من بلغ حديثاً فيما لم اضطر إلى العيش في محيط تتوافر فيه أسباب المعاصي؟ كعدم ارتداء الحجاب والاستماع إلى الأشرطة الموسيقية المبتذلة وغير ذلك؟
ـ لا مانع من البقاء والعيش في نفسه في محيط تتوفر فيه أسباب المعاصي لا سيما إذا كان مضطراً إليه، ولكن يجب عليه التجنب عما يحرم عليه شرعاً، ولا خروج في وجوب الالتزام بالتكاليف الشرعية من أداء الواجبات وترك المحرمات بين المكلف البالغ حديثاً وبين سائر المكلفين.
وأخيراً نسأل الله العلي القدير أن لا يبتلينا بالحضور في مجالس المعصية وأن يُبعدنا عن تلك المجالس الفاسدة وتأثيراتها السيئة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع