قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بينما موسى بن عمران عليه السلام جالس إذ أقبل إبليس... قال له موسى عليه السلام: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ فقال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغُر في عينه ذنبه..".
لقد أقسم الشيطان بعزة الله ليغوينَّ خلق الله من البشر أجمعين، بعد أن استثنى من ذلك عباد الله المخلصين، فالذين يعبدون الله حق عبادته يلتزم الباري تعالى بعناية خاصة بهم، ورحمة أبدية فلا يستطيع الشيطان الوصول إليهم بشراكه ووسائله المختلفة التي ينحني أمامها الإنسان غير المخلص: والاستثناء هنا منقطع، وليس متصلاً أي لا يشمل المخلصين بشكل قطعي، بل لا يتأتى له أن يصل إليهم بسبب ذلك الإخلاص الذي فيهم، والذي هو صنيعة أيديهم.
لقد كرر القرآن الكريم مسألة "العدو" بالنسبة للشيطان الرجيم في آيات مختلفة لينبّه الإنسان إلى هذه المسألة المهمة والخطيرة، ونستفيد من الآيات الشريفة التي تعرض لهذا العدو اللئيم، أن للشيطان طرقاً خاصة ووسائل مختلفة من أجل حرف البشر عن الهدف السامي الذي خلقهم الله من أجله وهو: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
إن طرق ووسائل الشيطان الرجيم مختلفة من فرد لآخر، وتتناسب مع وضع الفرد الذي يريد الشيطان إغواءه، فالبعض يأتيه عن طريق المال وآخر عن طريق النساء، وثالث عن طريق الغيبة والنميمة. فمن كان حاله لا يسمح له أن ينحرف عن طريق الأموال جاءه الشيطان عن طريق العجب على سبيل المثال، ومن لا يمكن إغواؤه وصرفه عن الجادة السليمة بالعجب جاءه الشيطان بوسيلة أخرى كأن تكون الغيبة أو الحرص أو الجبن.
لا ينبغي لنا أن نغفل عن حيل الشيطان اللعين، فهو في كل حالة يلبس شيئاً ولاسيّما أن ما يلبسه يأخذ بلب الإنسان وما لباسه الملون والمزخرف إلا دليل على وجوهه المختلفة، فهو يتلوّن تلوّن الحرباء ليبهر ضعاف النفوس بتلك الألوان البراقة التي لا يراها المخلص إلا ظلاماً وكدراً ومرارة.
جاء عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: قال إبليس: "خمسة ليس لي فيهم حيلة وسائر الناس في قبضتي، من اعتصم بالله عن نية صادقة واتكل عليه في جميع أموره، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حتى تصيبه، ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه".