من وصية أمير المؤمنين إلى ابنه الإمام الحسن (عليهما السلام):
... ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تُكلّف. وأمسك عن طريقٍ إذا خِفت ضلالته، فإن الكفّ عند حَيرة الضلال خيرٌ من ركوب الأهوال وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فَعَلَهُ بجهدك، وجاهد في الله حقّ جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخُض الغمرات للحق حيث كان، وتفقّه في الدين، وعوّد نفسك التصبر على المكروه، ونِعْمَ الخلق التصبّر في الحق! وألجئ نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك، فإنك تُلجِئها إلى كهفٍ حريزٍ ومانعٍ عزيز. وأخلص في المسألة ربّك، فإن بِيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهّم القول ما نفع، واعلم أنه لا خير في علمٍ لا يَنفع، ولا ينتفعُ بعلم لا يحقُّ تعلُّمه.
أي بُنيّ، إني لمّا رأيتُني قد بلغتُ سنّاً، ورأيتني أزداد وهناً، بادرتُ بوصيتي إليك، وأوردتُ خصالاً مِنها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أُفضي إليك بما في نفسي، أو أن أُنقَصَ في رأيي كما نُقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعضُ غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النّفور. وإنما قلبُ الحدَثِ كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبُك، ويشتغل لُبّك، تستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاكَ أهل التجارب بُغيته وتجربته فتكونَ قد كُفيتَ مؤونة الطّلب، وكوفيتَ من علاج التّجربة، فأتاك من ذلك ما قد كُنا نأتيه، واستبانَ لكَ ما رُبّما أظلَمَ علينا منهُ...