نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

القرآن وهداية الإنسان



آية الله جوادي الآملي


يتحدث آية الله الآملي في هذه المقالة عن الهداية الإلهية العامة، وهو إذ يؤكد بالأدلة القرآنية على انحصار الهداية – وخاصّة هداية الإنسان – بالله عزّ وجل – يستعرض نماذج من هداية الموجودات المادية والحيوانات ليصل في النهاية إلى الإنسان.

الهداية في الطبيعة
بناءً على ضرورة الهداية لكلّ موجود إمكاني، فاحتياج الموجودات المادية والطبيعية لذلك سيكون أكثر؛ لأنّه كلما كان الوجود ضعيفاً ونازلاً كان احتياجه للهداية أكثر.
القرآن الكريم يذكر أنّ لكلّ واحدٍ من الموجودات الطبيعية طريقاً خاصاً وهدفاً معيناً وفي النتيجة يقرّ بالهداية  الخاصّة ونذكر لذلك بعض الآيات:
(ألم ترَ أنّ الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفراً ثمّ يجعله حطاماً إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب).
في هذه الآية حركة المطر وتجمعه في العيون وامتصاصه من قبل النباتات و.. هذه كلها هداية خاصة ذكرها القرآن الكريم.
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون * ثمّ كلي من كلّ الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلفٌ ألوانه فيه شفاء للناس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
في هذه الآية حركة خاصّة للنحل في بنائه لخلاياه وامتصاصه رحيق الأزهار والثمار، وقطعه الطريق الذي عيّنه الخالق له، وفي النهاية إنتاج العسل، كل هذه هداية مخصوصة، في اختيارها الصحيح لإنتاج العسل، وهذا هو طريق الله، يعني الطريق الذي هدى الله عزّ وجلّ من خلاله النحل للوصول إلى الهدف.

وكذلك هداية الإنسان في البعد الطبيعي والحركات المادية كبقية الموجودات الحيّة التي تحتاج إلى الحركة والطريق والهدف الطبيعي، وقد ذكره القرآن الكريم بنحو قوله: (وألقى في الأرض رواسي أن تميدَ بكم وأنهاراً وسبلاً لعلّكم تهتدون) وقوله: (وجعل لكم فيها سبلاص لعلكم تهتدون)، حيث طرحت هذه الآيات حركة الإنسان في البعد الطبيعي والأهداف المادية بعنوان الهداية؛ لأنّ جميع أقسام الحركات الإنسانية محتاجة إلى طريق وهدف أي محتاجة إلى هداية، سواء الحركات الأينية التي ذُكرت في هذه الآيات، أو الحركات العينية والتي ستأتي في ما بعد.
والخلاصة أنّ أي حركة في حدود الطبيعة تكون بإعانة ومساعدة الهداية، وهي تقودها لطريقها الخاص، والهدف المخصوص، وليس هناك أي موجود طبيعي جامد وساكن، ولا توجد حركة بلا هدف. وفي النتيجة ستكون حدود الطبيعة محكومة للهداية (الذي خلق فسوّى * والذي قدّر فهدى)، وسواءً كان هذا الموجود أرضياً أم سماوياً، فالكل محكوم بالحركة، وفي النتيجة محكوم ومشمول بالهداية.

هداية الإنسان
إنّ الإنسان كبقية موجودات عالم الإمكان، محتاج في أصل وجوده إلى الغير، وكذلك في كمالاته الوجودية، وفي الوصول إليها، فهو في كلّ هذا محتاج إلى هادٍ، ومحور البحث في هذه المقالة هو هداية الإنسان في القرآن، وإذا أشرنا إلى سائر شؤون الهداية فمن أجل تهيئة الأرضية للبحث، وإلاّ فالبحوث المرتبطة بتلك المطالب موكولة إلى مواردها الخاصّة بها. إنّ الإنسان موجود حي، وحياته تظهر في ارتباطه بالإدراك والعمل. يعني أنّ علمه مؤثر في تنظيم الفعل، وعمله مفيد في زيادة الإدراك، وليست أفكاره منفصلة عن أفعاله أبداً، ولا يتمرّد فعله على تفكيره، وتظهر هدايته في قيادته العلميّة والعمليّة، وبازدياد فكره وانسجامه مع العمل فإنّ حياته التي هي عامل تعاون وانسجام الإدراك والسعي سوف تتقدّم وتترقّى، وميزان حياة كلّ إنسان موازٍ لدرجة علمه ومرتبة عمله، إذ هو في كلّ هذه الأمور محتاج إلى الغير، والإنسان بالفطرة طالب للحقّ، ويتبعه في حركته، وإن كان يخطئ في التطبيق، ويتصوّر الباطل حقّاً فيتبعه.

انحصار الهداية بالله
كما أنّ أصل وجود الإنسان صادر من المبدأ الأول، كذلك كمالاته وطريق الوصول إليها يجب أن يفيضها المبدأ الأول، الذي لا يكون محتاجاً إلى توجه وتكامل. بل كماله عين ذاته، وكل كمال يكون صادراً منه.
والقرآن الكريم في بعض الآيات يجعل الهداية حقاً منحصراً بالله سبحانه وتعالى، وفي البعض الآخر من الآيات يبيّن دليل الانحصار بالله عزّ وجلّ، أمّا انحصار الهداية بالله عزّ وجلّ، فالآيات المدرجة أدناه تبيّنه:
1- (قل إن هدى الله هو الهدى)، يعني أنّ الهداية هي هداية الله فقط، وما عداها فهو ضلال.
2- (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلاّ الضلال).
3- (إنّ الذين عند الله الإسلام)، (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). القانون الوحيد الذي يُسعد البشرية هو الإسلام والصادر من عند الله، ولا يقبل غير دين الإسلام.
4- (فأين تذهبون) يعني بترككم الإسلام والقرآن لا تصلون إلى هدفكم؛ لأنّ الطريق الوحيد للهداية هو كلام الله، إذاً فأين تذهبون؟
أمّا دليل انحصار الهداية بالله تعالى، وأنّه ليس لأيّ موجود القدرة على هداية الإنسان، فيشير إليه قوله تعالى: (قُل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون).
فمحتوى هذه الآية أنّ الذي له حقّ الهداية ويجب طاعته هو غير المحتاج للغير. يعني أن يكون مهتدياً ذاتاً، وهادياً للآخرين، وأمّا الذي يكون محتاجاً للغير ذاتاً، فليس بمهتدٍ وليس له حقّ هداية الآخرين، ولا يستطيع أن يكون هادياً لهم؛ لأنّه يفتقد كمال الهداية، فكيف يكون موجباً لكمال الآخرين.

إنّ الهادي بالذات في مقام توجيه وإرشاد الآخرين غني محض، ولا يحتاج في أي أمرٍ من أمور الهداية إلى غيره؛ لأنّه عارف بخصوصيات سلوك الخلق، وبخصوصيات الطريق والهدف. والإنسان بالفطرة يطلب الحقّ بالذات ويطيع المهتدي بالذات، ولأنّه لا يوجد غير الله تعالى، من هو حقّ محض ومهتدٍ بالذات، فعلى هذا لا يوجد سوى الله تعالى من له الحقّ في الهداية وعلى الآخرين أن يطيعوه.
يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): "إنّ طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه ومضلة من عقله" فالهداية حقّ منحصر بالمهتدي بالذات والهادي بالذات، فإذا أراد شخص أن يصبح مهتدياً فيجب أن يطيع المهتدي بالذات، وإلاّ فإنّه سيبتلى بالضلال.
(ومن يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصمّاً مأواهم جهنّم كلّما خبت زدناهم سعيرا).
(من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً).
(ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا).

تجدر الإشارة إلى أنّ المقصود من الهداية المنحصرة بالله تعالى هو الهداية التكوينية، أي الإيصال إلى الهدف وحقّ وضع القانون، الذي يسمّى بالتشريع، وإلاّ فالهداية بمعنى بيان الأحكام وتبليغها باسم إراءة الطريق تأتي أيضاً من غير المهتدي، ومن الممكن أن يبين شخص لا يعمل هو بالحق، يبيّن الحقّ ومزاياه للآخرين.
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)، (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع