الحاج علي سماحة
لم يكن بين شجرتي السنديان والصنوبر المتجاورتين في قمم الجهاد سوى ممر ضيق يتسع لمجاهد مرّ مستعجلاً وحط في دشمة قريبة. وانتشر عبير المقاومة مطيباً الهواء وأغصان الشجرتين والجوار.
وفي لحظة من الزمن، تشابكت تلك الأغصان محدثة صوتاً ناعماً أثار انتباه المقاوم الذي أصغى بأذن العارف بنغمات الجبل وأصوات الطبيعة، تلك الرفيقة الحلوة.
إن أغصاني عالية لا تعيق تقدم فتاي المقاوم، قالت الصنوبرة بفرح.
وأغصاني عريضة قريبة من الأرض تخفيه عن أعدائه، ردّت السنديانة بفرح مماثل.
لكن جذعي أكبر، وهو يرد عنه رصاصات اليهود.
إنه بالتأكيد يختارني ليختفي في عُبّي الكثيف عن عيونهم الحاقدة.
شمخت الصنوبرة وقالت: إنني أكبر منكِ أيتها الصديقة، فأنا أظلله من هجير الصيف.
ردّت السنديانة بثقة: وأنا أدرأ عنه عواصف الشتاء.
وهكذا كانت كل واحدة تعدّد بفخر وخيلاء الفوائد والخدمات التي تقدّمها للمجاهد. واشتدّ الخصام وتمايلت الأغصان وكل يطلب الإنصاف. عندها تحركت الأوراق المتناثرة على الأرض تحت الصنوبرة الكبيرة والسنديانة العتيقة في ما يشبه السمفونية الإلهية الخالدة: نحن الأوراق نزهو ونفخر ولنا الحظ الأوفر والسعادة الدائمة، فالمقاوم المجاهد يدوس أجسامنا فتصير لنا العزة، ونلامس نعليه فنرقى في درجات العظمة وهنيئاً لمن تعلقت منّا بهما فتشهد ملحمة البطولة وتكون رفيقته الدائمة.