مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقام عتيقة الإمام علي عليه السلام سرعين الفوقا



إعداد: حيدر خير الدين


تقع بلدة سرعين الفوقا عند سفح الجبل الشرقي لسهل البقاع المجاورة لبلدة النبي شيت، القديمة العهد والتاريخ كما ينبئنا بذلك ضرح النبي شيت الابن الثالث لآدم عليه السلام وممّا لا شكّ فيه أن تكون غوطة دمشق وسهل البقاع والجبل الفاصل بينهما مهبط آدم ومسكن أولاده حيث مغارة الدم التي قتل فيها قابيل أخاه هابيل وأضرحتها هناك بادية للعيان عند جبل قاسيون.
ثمّة موقع هام تحتضنه بلدة سرعين الفوقا يضيف للمنطقة أهمية أخرى لها تاريخها وقدسيتها، يضمّ جدثاً طاهراً لفتاة عتقها أمير المؤمنين عليه السلام من الموت وبرأ شرفها من الدنس، فغدت تعرف ومن حينها عتيقة الإمام علي عليه السلام فما هي القصّة بالتفصيل؟
المكان: بلدة سرعين الفوقا.
الزمان: أيام خلافة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
القضية: اتهام فتاة بالزنى لحملّ فيها واضح.
المرجع: أهل عشيرتها وأخوتها.
الحكم البدائي: الحكم عليها بالإعدام.

* في الوقائع:
بينما كانت فتاة مسلمة تغتسل عند عين البطحا الكائنة في خراج بلدة النبي شيت وسرعين ولجت في رحمها علقة دون أن تشعر بذلك، ومع الأيام أخذت العلقة تكبر شيئاً فشيئاً حتى بانت عليها إمارات الحمل وانتفاخ جلي في بطنها، ممّا أغضب ذلك أباها وأخوتها لدرجةٍ أنّه دعي "بأبي الغضب" لفعلتها وكان من وجهاء ورؤساء القبائل العربية الإسلامية في البقاع، فاستشاط حزناً وغضباً وقرّر إنزال أشدّ العقوبة بابنته، لكن أشار عليه البعض بضرورة مراجعة القابلات بشأنها، وبعد معاينات عديدة أفادت القابلات بأنّ الفتاة لا تزال عذراء وأنّ حملها غريب وعجيب دون أن يجدوا له أيّة حلول أو تفاسير، ممّا جعل الآراء تختلف بشأنها فانقسم أهلها بين مؤيّد للقتل ورافضٍ له حتّى قام الطرفان إلى سيوفهم، والفتاة بينهم حائرة ناظرة تتمتم بشفاه حادقة "اللهم اكشف عنا هذه الغمّة، اللهم احكم بينهم وأنت خير الحاكمين، اللهم إنّي لم أعصك أبداً فطهّرني بطاعتك.."

وفيما هم كذلك حتّى دخل عليهم أحد الصحابة أو الأتباع، وأشارع عليهم بأن يرفعوا قضيّتهم إلى خليفة المسلمين لينظر فيها ويحكم بالحقّ والعدل فليؤمن عندها منكم من آمن بالقتل على بيّنة وليعرف من عارض على بينة فاستحسنوا الفكرة ومضوا على أساسه يحثون الخطى والمسير حتّى وصلوا إلى الكوفة عاصمة الخلافة آنذاك، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجلس في وسط جامع الكوفة عند دكة القضاء ليحكم بين الناس المتخاصمين فجاؤوه وسلموا عليه وقصّوا أمرهم، فلنسمعها كما يرويها العلاّمة المحقّق الشيخ محمدتقي التستري في كتابه قضاء أمير المؤمنين عليه السلام:
في الخرائج روي أنّ تسعة أخوة أو عشرة في حي من أحياء العرب كانت لهم أخت واحدة فقالوا لها: كل ما يرزقنا الله نطرحه بين يديك فلا ترغبي في التزويج فحميتنا لا تقبل بذلك فوافقتهم على ذلك وقعدت في خدمتهم وهم يكرمونها فحاضت يوماً فلما طهرت أرادت الاغتسال وخرجت إلى عين كان بقرب حيّهم فخرجت من الماء علقة فدخلت في جوفها فلمّا مضت عليها أيام والعلقة تكبر في بطنها وظنّ الأخوة أنّها حبلى وقد خانت فأرادوا قتلها، فقال بعضهم نرفع أمرها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجوها إليه عليه السلام وقالوا فيها ما ظنّوا بها فاستحضر طشتاً مملوءة بالحمأة (والحمأة بالتسكين كالحمأ بالتحريك الطير الأسود وللعلقة بها علاقة هذا والشيء بالشيء يذكر) وأمرها أن تقعد عليه، فلمّا أحسّت العلقة برائحة الحمأة نزلت من جوفها، فقالوا: يا علي أنت ربنا الأعلى فإنّك تعلم الغيب، فزجرهم وقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني بذلك عن الله تعالى بأنّ هذه الحادثة تقع في هذا اليوم وفي هذا الشهر وفي هذه الساعة.

وتعدّ زيارة دكّة القضاء وبيت الطست من تمام الزيارات حيث التأكيد الشديد على زيارتهما لما ظهر عندهما من معاجز لوصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته، فينقل لنا الشيخ عباس القمي في كتابه مفاتيح الجنان ص 388 ما نصّه بعدما أشار إلى أعمال جامع الكوفة الكبير:
أعمال دكّة القضاء وبين الطست: وأعلم أنّ دكّة القضاء قد كانت بناءً في جامع الكوفة يشبه الحانوت يجلس عليها أمير المؤمنين عليه السلام للقضاء والحكم وكانت هنالك أسطوانة قصيرة كتب عليها آية (إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان).

وبيت الطست هو المكان الذي برزت منه معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام في بنت عزباء كانت قد غاصت في ماء فيه العلق فولجت علقة في جوفها فنمت وكبرت مما امتصته من الدم فعلا بذلك بطن البنت فحسبها أخوتها حبلى فراموا قتلها فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام ليحكم بينهم فأمر عليه السلام بستار فضرب في جانب المسجد وجعلت البنت خلفه وأمر بقابلة الكوفة ففحصتها وأعلنت رأيها فقالت يا أمير المؤمنين إنّها حبلى تحمل جنيناً في جوفها، فأمر عليه السلام بطست من الحمأة فأجلست البنت عليه فأحست العلقة بذفر الحمأة فانسلت من جوفها نحو الطست وفي بعض الروايات أنّه مدّ يده فأتى بقطع من الثلج من جبال الشام وجعله عند الطست فانسلت العلقة.

عندها انكبّ أهل الفتاة عند أقدام أمير المؤمنين عليه السلام طالبين منه أن يستغفر الله لهم لظنّهم الخاطئ بأختهم الوحيدة، التي حمدت المولى وشكرت صنيع الإمام عليه السلام وعد الحاضرون الواقعة معجزة عظيمة قاموا بتخليدها بإنشاء ضريح لها بعد وفاتها واعتبار أنّ للعين (لعين البطحاء) سراً بها فانطلقت على موقع البلدة فغدت تعرف بـ(سرعين)، وكان للعتيقة ضريح ضخم كما تشير إلى ذلك الآثار الحجرية التي تعود إلى قبة وعقود كانت مبنية فوق ضريحا تهدمت مع السنين، فقام أهالي البلدة بإعادة ترميم المقام وبنائه بشكل حديث وأضافوا له قبّة حديدية، والجدير بالذكر الكرامات العديدة التي تحقّقت في أروقة هذا المشهد المبارك، ومما لا غرو فيه أنّ هذه القصّة قد جرت أحداثها في هذه البلدة لأنّ معظم المراجع والعلماء والمحقّقين يجزمون بأنّ القبور والأنساب لا تثبت غالباً إلاّ بالشهرة والشياع المفيد للعلم، وهذا ما يتواصى به أبناء هذه القرية من جيل لجيل لأنّه ما كان لله فيه رضا سينمو وبكلّ تأكيد ولعلّ وعورة الطريق المؤدية إلى المقام الذي يقع على رأس تلة صخرية وسط المقالع والمدافن الرومانية سبباً رئيسياً في غياب ذكرها وحادثتها، خاصّة عند الزوار الذين يتقاطرون لزيارة مشهد النبي شيت عليه السلام ومشهد السيد عباس الموسوي قدس سره إذ يقع على مقامها على يمين الزائر الداخل إلى بلدة النبي شيت عن طريق سرعين، فلا يصلها إلاّ القاصد إليها، وممّا ينبغي ذكره الحديث عن مزار آخر لا يبعد سوى مئات الأمتار جنوب غربي المقام يعرفه الأهالي "بدعة الناقة" يروون أنّها مكان حوى أثر قدم لناقة الإمام علي عليه السلام غاصت بصخر صلد كما آثار قدمي الإمام الرضا عليه السلام في القدم في إيران.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع