عند هبوطك من الطائرة على أرض كربلاء، تشعر كأنّك أعدت قلبك إلى مكانه، كأنّ الروح قد رُدّت إليك. في تلك اللحظة، تدرك أنّك على مسافة قليلة من جنّة الأخوَين. تسير قليلاً، تلمح قبّة ذهبيّة، تتلفّت بوجهك يمنةً ويُسرةً لتتفقّد، أمَقَام الشمس أم القمر؟ تدرك أنّك خلف مقام الإمام الحسين عليه السلام. تسير قليلاً، تهبّ ريح من الجنّة على وجهك، تنحني شكراً لله، تقبّل أرض الغاضريّة مراراً، تسجد لله على نعمة حبّ الحسين عليه السلام. تكمل المسير.. تصل إلى حرم المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام، تشعر كأنّك طائر وأُطلق سراحه، كأنّك تقول: "الآن ارتحت يا الله، الآن أدركتُ جميل نعمك". تدخل، تنهمر دموعك لا إراديّاً، تصل إلى السرداب، تقبّله بحرارة وتبكي.. تبكي حتّى تجفّ الدموع. تطلب من الله شيئاً فقط: "لا تحرمني من الحسين يا الله". تبتعد عن القفص باكياً، لتتّجه إلى حيث الكفيل، تسير بين الحرمين، بين العبّاس والحسين عليهما السلام، تصل إلى نصف الطريق، تسجد باكياً، تقول: "بالعبّاس مقطوع اليدين، والحسين يا الله"، من ثمَّ تشدّ الرحال إلى العبّاس، حيث هناك سيكفل قلبك، سيروي ظمأك، والحسين يبلسم جرحك... أيّ نعمة هذه يا الله؟ أيّ حسين هذا الذي بلسم جراحي وهو ينزف في كربلاء؟ أيّ كفيل هذا الذي روى ظمئي وهو ظمآن عند الفرات؟ يا الله! أنا لم أصل بعد حتّى، فلا تحرمنا من جميل نعمك، لا تحرمنا من الحسين عليه السلام.
تلك تمتمات قلب مشتاق.. ليتها تعود تلك اللحظات..
حوراء المقداد