نهى عبد الله
عيناثا 27 تموز 2006م:
تحلّقت العائلة حول شمعة يتيمة؛ لتقرأ زهراء بصوتها الهادئ المطمئن دعاء الجوشن الصغير، في الغرفة الواسعة المكتظة بـ 23 فرداً من العائلة، ظنّاً منهم أنها أكثر الغرف أمناً على حياتهم من حفلة الجنون في الخارج التي يطلقها العدو الغاشم بصواريخ حقده.
ما إن أنهت زهراء قراءة الدعاء حتّى أخذت زاويتها الخاصّة، وراحت تكتب يوميّاتها: "نحن آمنون، ولا نعلم إن كنا سنبقى أم لا، لكنّنا محاطون بعناية الله وصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف... أكتب على ضوء الشمعة الشحيح، وكلّنا نسمع ضجيج القصف، مهما علا هديره، نحن مطمئنّون، ندعو وأمّي تواصل عملها، تخبز للمجاهدين، وتسعف الجرحى. لكنّنا نريد الاطمئنان على أخي أمير، ندعو له بالحفظ والرعاية"، يقاطعها ابن أخيها الصغير: "عمّتي اشتقت إلى أبي أمير، متى نراه؟". تجيبه بضمّة عامرة إلى صدرها.
لكن بعد صلاة الفجر لم يبقَ في المنزل من يخبز ومن يحكي، سوى دفتر زهراء، فيما تحرّرت أرواحهم لاستقبال.. شهيد..
بنت جبيل- مثلث الانتصار 28 تموز 2006م:
اجتاحت أمير موجة من المشاعر. مرّت فترة طويلة لم يتواصل فيها مع أهله بعدما حوصروا في عيناثا. أصرّت والدته على البقاء لتجعل المنزل مركزاً لخدمة المجاهدين، أمّا زهراء فقد أصرت على البقاء للمساعدة وهي تقول: "أنا أيضاً أقاوم، وسأكون في خدمتهم كما أمّي وأبي". هل كُتب عليها أن تشهد آلام العائلة، من شهادة أحمد، واعتقال والديهما أيام الاحتلال وتعذيبهما؟! هي ابنة المجاهدة التي قالت لأبنائها: "إن تعاملت مع لحد، اقتلوني"، عند ذلك القلب القويّ ترك زوجته وابنه.
اشتدّ الالتحام، تكلّلت ملامحه بالبشرى كأنّما اشتمّ عطراً من الجنّة، والتحم بقذيفة باغتته..
على طرف عالم آخر، ثمّة من يستقبله.. غير أحمد!
(*) قصة عائلة الشهيد أمير فضل الله الذين استشهدوا في قريتهم في27 تموز ولحقهم هو بشهادته في 28 تموز، وقد وثّقت يومياتهم أخته الشهيدة زهراء.