(مهداة إلى المرحومة فاطمة مزنّر)
زينب نعمة(*)
لم يكن صباح السبت الأخير من شهر تشرين الأوّل عام 2020م عاديّاً بالنسبة إلى كلّ من عرف فاطمة مزنّر، وإلى مستمعي إذاعة النور، وإلينا نحن كزملاء وأصدقاء.
فاطمة المُحبّة، المرحة، الطيّبة، الاستثنائيّة، التي تمتلئ همّةً وتتّقد ذكاءً، توقّف قلبها بعد معركة متعبة مع فيروس كورونا، الذي فتك بجسدها ورئتيها طيلة شهر كامل.
من أين نبدأ في الحديث عن سيّدة استثنائيّة في كلّ المعايير؟ أمن الماضي الذي بدأ منذ اثنين وثلاثين عاماً في إذاعة النور؟ أم من الأمس القريب الذي كانت فيه على رأس أهمّ البرامج والملفّات في إذاعة النور، وهو الملف التنمويّ؟
من المؤسّسين الأوائل
فاطمة التي شاركت في تأسيس الإذاعة، والتي شكّلت مع ثلّة قليلة اللّبِنة الأساسيّة لها في وقتٍ كان فيه المجتمع المقاوم في أمسّ الحاجة إلى صوتٍ يعبّر عنه.
ككلّ البدايات، لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، إذ احتاج منها إلى جهود كبيرة لوضع أسس متينة للعمل الإعلاميّ المسموع.
وتوالت السنوات، تدرّجت خلالها فاطمة في العديد من المهامّ، وأنتجت وأعدّت عشرات البرامج والتحقيقات الوثائقيّة في مختلف المواضيع والمجالات.
صوت المقاومة
في العام 1998م، بدأت تجربتها في التقديم الإذاعيّ، وتميّزت بالبرامج التي تأخذ الطابع السياحيّ والتعريفيّ بلبنان، وأهمّها برنامج "عامرة دياركم". كانت متمكّنة في الشؤون البلديّة، ومن أبرز البرامج التي عالجتها في هذا المجال هو برنامج "حكي بلدي".
تجربة فريدة اختزنتها فاطمة مزنّر، جعلتها تستحقّ أن تُلقّب بـ"عميدة الإعلام المسموع"، و"رائدة الإعلام التنمويّ المسموع في لبنان".
عاصرت فاطمة محطّات بارزة خلال مسيرتها، كان أبرزها تحرير الـ٢٠٠٠م وعدوان تمّوز ٢٠٠٦م، حيث كان لها الدور الأساسيّ في تغطية العديد من الفعاليّات المرتبطة بالحرب، وأبرزها الموضوع الإنسانيّ. كانت تعمل بشكل متواصل ولساعات طويلة لتستحقّ بحقّ لقب "صوت المقاومة".
نالت الزميلة الراحلة عشرات الجوائز والدروع التكريميّة والشهادات التقديريّة، وذلك خلال مشاركتها في المهرجانات الإذاعيّة العربيّة، وأبرزها مهرجان القاهرة الدوليّ، ومهرجان تونس الدوليّ، ومهرجان المنظّمة العربيّة للتوعية الاجتماعيّة.
أمّ الجميع
على الصعيد الشخصيّ، يكثرُ الحديث عن فاطمة؛ رفيقة القلب والروح، فاطمة المحبّة المعطاءة البشوشة، صاحبة الوجه المبتسم، أمُّ الجميع، وحاضنة الزملاء، والقلب الحنون.
فاطمة كانت الطمأنينة في إذاعة النور، فبمجرّد أن نراها نشعر بارتياح لا تفسير له. فاطمة التي كانت مثقلة بالمسؤوليّات الوظيفيّة، لم تتوانَ يوماً عن الملفّ الإنسانيّ، وخدمة الناس، وتيسير الأمور.
في أمان الله
رحلت فاطمة؛ القلب المعطاء، والنفس الزاخرة بالخير. رحلت بسمة الإذاعة، وفرحة الزملاء، والعقل النيّر، والهمّة العالية.
رحلت وما زالت عشرات الملفّات معلّقة، وآخرها برنامج "بشفافيّة"، الذي كانت تعدّه وتقدّمه كلّ نهار خميس.
لن تكون الأيّام المقبلة جميلةً بغياب واحدة من أعمدة الإعلام المسموع وإذاعة النور. ولكنّ العزاء هو بالأثر الطيّب والإنجازات الكثيرة التي تركتها فقيدتنا الغالية.
فاطمة العزيزة الطيّبة، في أمان الله.
(*) صديقة الراحلة وزميلتها في إذاعة النور.