نهى عبد الله
بعد طيّ مسافة كبيرة، ركضاً خلف غزال رشيق، أخفق الأمير الشابّ في صيده، لاحظ أنّ لا أحد من رجاله نجح في أن يتبعه وهو يعدو سريعاً ممتطياً فرسه، فيما أنذره مغيب الشمس بحلول العتمة قريباً، فأخذ ينكز فرسه ويركله بجنون ليعيده، لكنّ الفرس تمرّد وغضب.. فأوقعه.
استفاق الأمير، ليجد نفسه مرميّاً على الغصون اليابسة والأعشاب التي تغطّي الأرض. مؤلمةٌ هي الرضوض التي يجرّبها للمرة الأولى. ثمّة صوت غريب يسمعه، ربّما لبوم، أو ذئبٍ يبحث عن فريسة، أو أنّ الأشجار تسخر منه وتخفي حيوانات تراقبه في هذا الظلام، وقد بدأت الأمطار تنهمر لتزيد الأمر سوءاً. كاد يُصاب بالجنون، تكوّر على نفسه، وأغمض عينَيه، فتناهى إليه صوت قرقعة، وشعر بحرقة تُشعل معدته، كأنّما يقرصها شيء بلؤم، أو هي تنقضّ لتلتهم نفسها، فيما أطرافه أخذت ترتجف: "يا إلهي، هل هذا هو الجوع؟!"، أرعبته الفكرة، فغاب عن الوعي.
بعد ليلتين، استفاق على وقع قطرات المطر على وجهه، تسرّب من سقفٍ خشبيٍّ فوقه، كان ممدداً في كوخٍ بسيط لمزارع. كان فقر الرجل واضحاً، فهو لم يملك على مائدته سوى ثلاث حبّاتٍ من البطاطا، سيتقاسمها معه وعائلته المكوّنة من تسعة أفراد، لكنّه قدّمها كلّها لضيفه. كان الأمير يأكل ويبكي، عاجزاً عن شكر الرجل، فتعهّد له أن يساعده في كلّ ما يحتاج إليه، فقد شعر بهم، وعانى ما يعانون.
ما إنْ وصل إلى قصره، وشعر بالراحة وملأ بطنه بطعامه الدسم، ونام في فراشه الوثير حتّى نسي جوع المزارع وعائلته، وحدّث نفسه أنّهم بخير حيث هم. بعد أيّام، اقترح أحد مستشاريه مكافأةً لمن أنقذه، فقال الأمير:
"قدّموا له درعاً نحاسيّاً تكريماً لجهوده".