الشيخ حسين زين الدين(*)
النصر لغةً يعني: عون المظلوم، وانتصر الرجل أي انتقم من ظالمه(1). والفرق بين النصر والمعونة: النصر: يختص بالمعونة على الأعداء. والمعونة عامة في كل شيء. فكل نصر معونة ولا ينعكس. ويدل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا﴾ (غافر: 51) و ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ (الفتح: 3) و ﴿وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ (الصافات: 116). فإن مساق الآيات الإخبار عن ظفر الأنبياء عليهم السلام ونصرتهم على أعدائهم، إما بالغلبة، أو بالحجة(2). ويستعمل اللفظ في معنى النتيجة المترتبة على النصرة والجهاد أو القتال... أي بمعنى الظفر والفلاح والفوز والنجاح. وفي الاصطلاح: النصر بلوغ الغاية. فكلما عظمت الغايات، عظم النصر. ولا بد في إشباع معناه من وجود عدو، سواءٌ أكان في النفس أم خارجها، وهذا ما ذكر في المعنى اللغوي آنفاً.
ومما تقدم، يظهر أيضاً أن سمو الغايات ورفعتها يؤثر في علو شأن النصر ورفعته. وإذا كان تحديد العدو مبنياً على إرادة إلهية يبينها الحكم الشرعي، بلغت الغاية أقصى كمالها المتمثل بالامتثال لأمر الله الواحد سبحانه وتعالى، لا لتشخيص القبيلة أو العشيرة أو الغريزة أو الحزب.
إلهية النصر:
يكون النصر إلهياً إذا تحقق أحد أمرين:
1 – إذا كانت شرعية الحرب مستندةً إلى مرجعية شرعية، وهي في منظومتنا العقائدية تتمثل في الإمام المعصوم عليه السلام أو نائبه في غيبته الذي هو الولي الفقيه، وبمعزل عن النتيجة الميدانية. فسواءٌ تحققت الغلبة والسيطرة على العدو أم لا، فقد يتحقق النصر الشخصي بأداء التكليف، وإن كان الثمن التضحية بالنفس وهي إحدى الحسنيين.
2 – إذا توفرت أمارات وعلامات على المدد الغيبي للمجاهدين ومجتمعهم، بحيث يُعلم التسديد الإلهي والعناية الربانية عبر إنجازات غير متوقعة أو مشاهدات أو ربط على القلوب أو غير ذلك، ويكون النصر حينئذٍ في الرسالة التي تصل إلى أبناء المسيرة بأن الله تعالى راضٍ ومؤيّد، وكفى بذلك نصراً.
وهذان الأمران حصلا معاً في حرب تموز 2006. فمن جهة، لا شك في شرعية المعركة بالمعنى الديني والإنساني وحتى العقلي الذي يفيد بضرورة ووجوب الدفاع عن النفس والأرض وكل ما هو محترم في هذا الوجود. ومن جهة أخرى، فقد كان نصر 2006 إلهياً بالمعنى الثاني، حيث ظهرت علامات الرضا الإلهي والتسديد الرباني في كل تفاصيل الحرب، من التوقيت، إلى الصمود، إلى الانجازات الميدانية، إلى المشاهدات القطعية للتوفيقات الغيبية، إلى النتائج غير المتوقعة لهذه الحرب المظفرة. النصر مشروع أمة، والشهادة...؟! إن التربية الدينية الأصيلة تدعو إلى الإعداد والجهوزية النفسية والمادية على حد سواء. فكما دعت الشريعة المقدسة إلى أن يحدث الإنسان نفسه بالغزو وأن يتمنى نيل شرف الشهادة، كذلك دعت إلى الإعداد العسكري والمادي. وفي ذلك دلالة واضحة على حرص الإسلام على نفس الإنسان واحترامه لقيمتها، حيث دعاه إلى أن يختم حياته بفتح بابٍ آخر للحياة الأبدية السعيدة، لا أن ينهي حياته كيفما كان. وهذا هو الفرق بين الشهادة والانتحار. ومن جهة أخرى، هناك دلالة أخرى على أن مشروع الأمة هو إرهاب عدو الله وعدو الأمة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...﴾ (الأنفال: 60)، وبالتالي إعداد لتحقيق النصر المادي. وبذلك، يكون النصر مشروع الأمة، والشهادة على قداستها هي غاية شخصية، عندما يخير الإنسان في كيفية انتهاء حياته في الدنيا.
(*) رئيس تحرير سابق في مجلة بقية الله.
(1)كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ج3، ص1797، مادة نصر.
(2)معجم الفروق اللغوية، حرف النون، ص540.