مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تحقيق: احترام القوانين: نحصد ما نزرع

هبة يوسف عباس

 



ـ بناء فرد يحترم القوانين وأنظمة مجتمعه هي مسؤولية متعددة الأطراف يتحملها من يساهمون في بناء شخصيات الأفراد حيث يتكون المجتمع، وتبعاً لهذه المسؤولية سواءٌ تم تحملها أم لا، نحصد ما نزرع. البيت أولاً ثم المدرسة والمعلم، وأخيراً الإرشاد الصحيح والتوجيه الصائب، كلها عناصر تساعد في بناء هذا الإنسان. أما القوانين والأنظمة فهي كثيرة منها: احترام الملكيات العامة والخاصة، النظافة، عدم إزعاج الغير، قانون السير، الخ... بقية الله ولإلقاء الضوء على هذا الموضوع، تحدثت مع الأهل، المعلم، المدرسة والمرشد الاجتماعي، فكان لنا مع كل منهم لقاء خاص.

* التربية البيتية نقش في الحجر:
البيت وتربية الأهل هما من أوائل العوامل التي تبث في الطفل احترام القيم والقوانين والأنظمة، وذلك قبل خروجه من هذا المجتمع الصغير إلى المجتمع الثاني أي المدرسة. السيدة هلا حمد (ربة منزل مثقفة)، أم لثلاثة أطفال تدرك أهمية المبادئ الأولى التي تعطى للطفل وتقول: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر. لذلك، فإن القيم التي أعلمها لأولادي هي أسسٌ مهمة جداً، ومن ضمنها احترام الأنظمة وإن كانت صغيرة وبسيطة مبدئياً، لكنها تربي شخصيتهم على احترام القوانين لاحقاً سواءٌ في المدرسة أو المجتمع". السيدة هلا (45 سنة) تؤكد على أهمية التربية في المنزل قبل ذهاب الطفل إلى المدرسة وتقول: "الأهل مسؤولون عن بناء شخصية وعقلية أطفالهم وبالتالي سلوكهم، والمدرسة عليها أن تُكمل هذا البناء بالطريقة الصحيحة فنصل عندها إلى أفراد صحيحي الشخصية والعقلية والسلوك". وترى السيدة هلا أن الطفل هو مقلِّد بارع لكل ما يسمعه ويراه أمام ناظريه لذلك على الأهل أن يكونوا قدوة حسنة لأطفالهم في المنزل، فإذا طلبت الأم من طفلها عدم رمي الأوساخ من النافذة عليها ألا تفعل هي ذلك بدورها. وختاماً تقول السيدة حمد: "الطفل ورقةٌ بيضاء، وما نرسمه داخلها يرافقه طوال عمره ويحدد سلوكه وتصرفه لاحقاً، وعلى الأم أن تعرف كيف تتعامل مع طفلها إذا واجهتها أي مشكلة سلوكية، وعليها عدم الخوف أو الخجل من سؤال المختصين، وعدم التغاضي عن الخطأ بالقول: لا يزال صغيراً".

* المدرسة منهجية تكمل التربية البيتية:
المدرسة، البيت الثاني للأطفال، تأثيرها يوازي تربية الأهل في المنزل، حيث تستطيع بث مفاهيم وقيم وأخلاقيات مجتمع صالح، فتخرج أفراداً يحترمون مجتمعهم وقوانينه. والمدرسة تنقسم إلى قسمين ضمن هذا الإطار: نظري، أي الإدارة التي تضع الطرائق والوسائل الواجب اتباعها مع التلميذ لاحترام القوانين، ثم القسم التطبيقي: أي المعلم الذي يمارس على أرض الواقع كيفية تطبيق هذه الوسائل. نبدأ أولاً مع الإدارة، حيث أجرت بقية الله مقابلة مع الأستاذ محمد محيي الدين طه (مدير ثانوية الإمام الحسن عليه السلام) والذي أشار إلى أن من واجب المدرسة أن تعلم الطفل القانون والنظام المدرسي وبالتالي قوانين وأنظمة المجتمع، وعلى الإدارة وضع آلية سهلة وواضحة للتعليم حتى يشارك فيها الطلاب، فيترسخ هذا الأمر في عقولهم. وتابع قائلاً: "إيصال مفاهيم احترام القوانين والأنظمة تكون عبر طريقتين: الثواب والعقاب، وهاتان الطريقتان تحتاجان إلى وقت للوصول إلى النتائج المرجوَّة". وأضاف: "نحن في المدرسة بدأنا فعلاً بالعمل على ما أسميناه "مدونة السلوك" لكل طالب، وهي تطلعه على عاقبة كل تصرف سواء كان جيداً أو خاطئاً. وهناك إشارات صفراء وبرتقالية للتشجيع، وأخرى حمراء وسوداء للعقاب، وهكذا نحفز التلميذ للعمل للحصول على إشارات التشجيع لا العقاب، فيعتاد إحترام القوانين ولا يخالفها حتى لا يقع في شرك إشارات العقاب". وقد علَّل الأستاذ محمد وجود الحالات الشاذة المخالفة للأنظمة في المجتمع بعدة أسباب منها:

1- المشاكل المادية والاقتصادية التي جعلت الأهل ينشغلون عن عائلاتهم وتربية أطفالهم بالعمل لتأمين قوت يومهم.
2- الحرب التي مرت على لبنان فترة من الزمن وغياب الدولة وبالتالي المحاسبة بالتربية. واعتبر أن إصلاح هذه النماذج يكون عبر اهتمام الأهل ثم المدرسة أو عدم الخضوع للخطأ بالقول: "أنا لا دخل لي"، فأنا جزء من المجتمع وعليَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إحترام القوانين مسؤولية الجميع:
ولتوضيح فكرة احترام قوانين المجتمع وتطبيقها، تقوم ثانوية الإمام الحسن عليه السلام بتقديم محاضرات للأهل والطلاب وبإقامة ندوات وورش عمل يشارك فيها الطلاب، كما تعمل الثانوية على بعض المبادئ وترسيخها، منها مبدأ "الآخرون وأنا"، حيث يتعلم الطالب كيف يحترم الآخرين، وكيف يعبر عن أفكاره ويدافع عنها حتى لو كان صغيراً. وأخيراً في نصيحة للأهل والطلاب رأى الأستاذ محمد أنّ: "على الجميع أولاً أن يكونوا مسؤولين ولو جزئياً عن أيّ خرق للقوانين والأنظمة التي تحصل حولنا وعدم القول "لا دخل لي"، بل علينا التفكير في كيفية تغيير هذا الخطأ. ثانياً: أن تتحمل المدرسة مسؤوليتها الكبيرة في إيصال مفاهيم احترام القانون والأنظمة للطلاب، ويبدأ ذلك باحترامنا لهم والعكس واتباع طريقة الثواب والعقاب التي تختلف من مرحلة إلى أخرى ومن تصرف إلى آخر، ثالثاً: على الأهل أن يكونوا قدوة حسنة لأولادهم وأن يتعاونوا مع المدرسة لترسيخ المفاهيم المطلوبة ليخرج الأولاد إلى الحياة وهم أفراد ملتزمون بالقانون والنظام". بعد الإدارة يأتي القسم التطبيقي وهو من اختصاص المعلم في الصف، حيث قابلنا الأخت زينب الموسوي (معلمة لغة إنكليزية المرحلة الابتدائية في ثانوية البتول عليها السلام).

قانون "الثواب والعقاب":
مدارس المصطفى بشكل عام ومنها ثانوية البتول تتبع أسلوب "الثواب والعقاب" أيضاً كوسيلة لترسيخ مفاهيم احترام القانون. وفي هذا الإطار، تقول الأخت زينب: "نحن في مدارس المصطفى لدينا قانون "الثواب والعقاب"، ويدخل ضمنه كل المواضيع المتعلقة باحترام الأنظمة والقوانين، ونقوم بالعمل على التلميذ في المدرسة بيته الثاني لإيصال مفاهيم معينة تربوية وسلوكية واجتماعية، منها: نظافة الهندام، احترام حقوق الغير، عدم الإساءة للآخرين، احترام الملكيات العامة والخاصة إلخ... وعند تطبيق قوانين المدرسة التي هي مجتمع صغير يتعلم التلميذ بالتالي احترام وتطبيق القوانين عند خروجه إلى المجتمع الحقيقي". قانون الثواب والعقاب ضروري جداً بنظر الأخت زينب، حيث الله سبحانه وتعالى أقام هذا النظام لتحفيز المؤمن ومعاقبة الخاطئ، وتشرح الأخت زينب قائلة: "قانون الثواب والعقاب يتم تطبيقه بحيث تتم إثابة التلميذ عند احترامه قوانين المدرسة، مثل: المحافظة على النظافة، احترام المعلمين، احترام الطلاب لبعضهم البعض، عدم التأخر عن موعد الصف إلخ... وتكون الإثابة بإعطائه نقطة زرقاء، وهناك سلم تدريجي للإثابة. أما العقاب، فهو لا للعقاب نفسه بل ليتعلم التلميذ احترام هذه القوانين وردعه عن مخالفتها، ويكون العقاب بإعطائه نقطة حمراء. وهنا، يأتي دور المعلم ليعدل سلوك التلميذ قبل وضع النقطة الحمراء عبر المعاقبة، ومثال على ذلك: إذا رمى التلميذ الأوراق في الصف نجعله يجمع الأوساخ من كل الصف، وإذا أعادها يحصل على نقطة حمراء، هكذا لا يعاود الكرة مرة ثانية تحسباً للحصول على النقطة الحمراء، إذ هناك سلم تدريجي للعقاب أيضاً". وتؤكد المعلمة أن التواصل دائم بينهم وبين الأهل الذين هم على معرفة تامة بهذا القانون، حيث يقوم المعلمون بعقد لقاءات أسبوعية مع الأهل يطلعونهم خلالها على المستوى الأكاديمي لأبنائهم وكذلك المستوى السلوكي لهم، وتقوم الثانوية بتقديم محاضرات ودروس عمل خاصة للحض على ضرورة احترام قوانين المجتمع الذي يعيش فيه التلاميذ سواء كان البيت، المدرسة أم المجتمع الحقيقي. وفي نصيحة أخيرة، تقول الأخت زينب إن على الأهل: "التواصل دائماً مع المدرسة والمعلمين والاهتمام بسلوك طفلهم واتباعه القوانين والأنظمة داخل المدرسة كإهتمامهم بعلاماته المدرسية، وأشجع كذلك على الحوار والتواصل بين الأهل وأولادهم".

خطوة جديدة لتعديل الحالات السلوكية:
الإرشاد التربوي والاجتماعي هو نظام جديد تم إدخاله إلى البرامج المدرسية، يتم من خلاله تعديل وتصويب الحالات السلوكية المختلفة عند الطالب من قبل مختصين. المرشدة الاجتماعية في مدارس المهدي شاهد الأخت سهى فضل الله وتعليقاً على موضوع احترام الأنظمة والقوانين أكدت أن الطلاب في المدرسة يختلفون في انصياعهم للقوانين باختلاف التربية والبيئة الآتين منها، وباختلاف قابليتهم واستعداداتهم وطبعهم. لكن، عند وجود أي مشكلة يتم التواصل بينهم وبين الأهل، وعن طريق التحفيز والحوار يحاولون الوصول إلى النتائج المرجوَّة. أما عن الأسباب الاجتماعية الكامنة وراء وجود نماذج شاذة لا تحترم القوانين، تقول الأخت سهى: "النماذج الشاذة الموجودة حالياً والتي قد لا تحترم الملكيات العامة والخاصة أو تزعج الآخرين بالأصوات العالية أو لا تحافظ على النظافة إلخ...، تعود أسبابها إلى عدم الاهتمام الكافي ببث القيم في نفوس أطفالنا، خاصة في عصرنا هذا، حيث توسعت مدارك الطفل وأصبح يتلقّى ثقافات وقيماً متعددة، سواء عبر الإنترنت أو الإعلام وغيرهما. لذلك، علينا مراقبة ومتابعة ما يستقبله أطفالنا من هذه الوسائل بشكل دقيق سواء من قبل الأهل أو المدرسة، ووضع أرضية متينة لقيمهم وثقافتهم وبالتالي سلوكهم". للإرشاد الاجتماعي دورٌ مهم جداً داخل المدرسة في تصويب ومعالجة بعض الحالات السلوكية عند الطلاب والعمل لوضع آليات للمعالجة. وفي هذا الإطار، تؤكد الأخت سهى أن: "دور الإرشاد الاجتماعي يكون في وضع الخطوط العريضة للأنظمة والقوانين في المدرسة وكيفية الثواب والعقاب عليها، وهي تختلف من مرحلة إلى أخرى. كما نهتم بالمشاكل التربوية الموجودة والتي علينا متابعتها بشكل دقيق، مما يساعد على إنتاج شخصيات مسؤولة وواعية غير معقدة". وتضيف: "نتائج عمل الإرشاد الاجتماعي تكون على المدى البعيد، لذلك علينا المثابرة على موضوع احترام الأنظمة والقوانين حتى تترسخ عند الطالب، ثم نلاحظ النتيجة بشكل ملموس بعد وقت ليس بطويل".

ختاماً، تقول الأخت سهى إن: "مسؤولية خلق شخصية سويَّة، مسؤولة وملتزمة بالقوانين والأنظمة مسؤولية ثقيلة على أعتاقنا جميعاً سواء الأهل، المدرسة، المعلم أو المرشد، وأنصح الأهل باتباع الطريقة الحوارية والتشاورية مع أولادهم، ومحاولة خلق بدائل عن التلفزيون أو الانترنت لتنفيس طاقة أطفالهم في أمور أكثر أهمية. وعلينا الصبر، لأن التربية تستلزم وقتاً لتعطي ثمارها، فإذا تضافرت كل الجهود، لا بد من أننا سننجح في بناء مجتمع صالح يلتزم أفراده بالقوانين والأنظمة".


الصدر، محمد باقر، المجموعة الكاملة، المدرسة القرآنية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان، ط. 1990 م، ج 13، ص49.
طباطبائي (ت: 1412 هـ)، محمّد حسين، تفسير الميزان، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة قم المقدسة، ج 9، ص 11.
الصدر، محمد باقر، المجموعة الكاملة، المدرسة القرآنية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان، ط. 1990 م، ج 13، ص 50.
م. ن، ص 59.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع