نسرين إدريس قازان
اسم الأم: ماجدة محمد بزي
محل وتاريخ الولادة: بنت جبيل 25/ 03/ 1988م
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل: 55
محل تاريخ الاستشهاد: مزرعة مشرف 26/ 07/ 2006
عندما أخذ شوقي ابن أخيه قاسماً وهو في الشهر السابع من عمره، ضمه بين ذراعيه قائلاً: "سيكبر هذا الصبي ولن يعرفني". وبعد سنة ونصف استشهد شوقي أثناء قيامه بواجبه الجهادي. وكبر قاسم وكبر طيف عمِّه المقاوم، الذي كان يسمع عنه أخباراً متفرقة، في خياله. فإذا ما صار يذهب إلى مدرسته لوحده، اتخذ من قبره في روضة الرادوف محطة يومية في طريق العودة، ليستقي من تلك السكينة الغافية تحت الشجر روحيةً رسمت ملامح وجهه وباحت بشفافية روحه، فكان أكثر من عرف عمّه.
* سيكون صبياً هادئاً
قاسم الابن الذي وعى على الدنيا وكان يحملُ همّ من حوله من أهل وأقرباء وأصدقاء، وكان يتنقلُ في دروب هذه الحياة كطيفٍ لا يشعر أحد بوجوده. ومنذ ولادته تنبأت الممرضة أنه سيكون صبياً هادئاً هني العيش، فلما سألتها الأم عن سبب قولها أجابتها أنها المرة الأولى في حياتها التي تشهد فيها ولادة يسيرة، وبالفعل، كان قاسم هادئ الطباع منذ صغره، حنوناً على والديه وإخوته. كان قاسم لا يزالُ حدثاً عندما انتقلت العائلة من بيروت إلى الضاحية الجنوبية. وقد رزح الأب، الذي يعمل سائق أجرة، تحت وطأة ديون شراء الشقة التي سكنوها، فما كان من قاسم إلا أن بحث عن عمل تارة في منجرة يلمّ النشارة عن الأرض، وأخرى في مطبعة، ليعمل عملاً مرهقاً، من دون أن يعرف والداه بالأمر إلا لاحقاً، وعندما طلبا منه ترك العمل بسرعة، أصرّ على البقاء ومساعدة والده.
* يومان متتاليان بلا إفطار
كان لا يشتري شيئاً لنفسه ولا يطلب شيئاً، أما مع إخوته فهو المؤثِر دوماً بينهم، ما كان يثير استياء والديه، حتى أن أخاه قد تعرّض في صغره لحروق ألزمته الفراش خلال شهر رمضان، فبقي قاسم ليومين متتاليين صائماً بلا إفطار، وكلّما أصرّت عليه أمّه ليتناول لقمة، أجابها: "كيف آكل وأخي لا يستطيع ذلك؟!". في السابعة من عمره بدأ قاسم بالصوم، وكان يحرص على وصل شهري شعبان ورمضان ببعضهما بعضاً، فكان يصوم في الغالب ثلاثاً وثلاثين يوماً، وكثيراً ما كانت أمه ترجوه ليفطر بسبب صغره وضعف بدنه فلا يقبل. وللصلاة قصة أخرى فالصبي الصغير الذي يمسك بيد والده للذهاب إلى المسجد، كان حينما تفتقده أمه تجده يغسلُ أطرافه، فلمّا تسأله عن السبب يخبرها بأنه يريد الصلاة، ويجب أن يكون المرء على طهارة قبل الوضوء.
* نجاحه يقلقني
الشاب المجتهد والرياضي اتسم بحبه للمشاركة والنجاح في كل شيء، حتى لا يكاد يفوته نشاط أو مسابقة دينية، كل ذلك من دون أن يسمح لشيء بالتأثير على دراسته التي اجتهد فيها كثيراً. وقد أسرّت أمه، في أحد الأيام، إلى أخيها أن نجاح قاسم في كل شيء يكلل قلبها بالحزن! فاستنكر عليها أخوها ذلك، وسألها عن سبب قولها، فأجابته: "لأن تميزه ونجاحه يجعلاني دوماً أشعر بأني سأفقده!!". خيّم عليها هذا الشعور المخيف الذي كبّل سعادتها في كثير من مفاصل حياة قاسم المهمة، الذي كلما كَبُر صقلت شخصيته وتجلت فيها أرقى صفات التدين والأخلاق.
* بين المجاهدين
في عمر الرابعة عشر بدأ قاسم بمرافقة بعض الشباب في التعبئة العامة. وقبل أن يبلغ السادسة عشر من عمره التحق بالدورة العسكرية الأولى متأثراً بالبيئة المحيطة به، ليعود منها مرشداً لرفاقه للالتحاق بصفوف المجاهدين. وقد بدأ عمله الاستقطابي بين رفاقه في الثانوية العامة، فالتحق عدد منهم بصفوف المجاهدين بتأثير من قاسم. وبكتمانٍ شديد، وحرصٍ على عدم معرفة أحد بطبيعة عمله، كان قاسم يقوم بواجبه الجهادي على أكمل وجه. فخضع للعديد من الدورات العسكرية التي كان يتسلل إليها أثناء نوم والدته تاركاً لها رسالة اعتذار عن عدم إخبارها ليخفف عنها من لوعة الوداع، فهو يدرك وَجَلَ قلبها عندما تراه يغادر. وقد أحسّ بشعور مماثلٍ حينما قرر أخوه الالتحاق بصفوف المجاهدين، فلما سمع منه ذلك تغيّر لونه وسكن صمتٌ على شفتيه، فسألته أمه عن سبب ذلك وهو أحد رجال المقاومة! فأجابها بهدوء: "لا أعلم.. ولكني أخافُ عليه كثيراً". كان لقبه الجهادي "شهيد" يتجلّى في ملامحه، فلا يراهُ أحد من المجاهدين وإلا ويخاله شهيداً يمشي على الأرض، فبدت الحياة وكأنها لحظات تلملم آخر ما تبقى منها من على هدبيه.
* لا بدّ من اللقاء
حينما يختلي قاسم بنفسه في الصالة، كانت أمه تعرف أن ثمة شهيداً سقط للمقاومة الإسلامية، فتراه يتململ بين حسراته ويتركها حيرى، كحاله في أغلب سكناته، فهو حتى في أسلوب صلاته ودعائه حيّرها، فكان في بعض الأوقات إذا ما سجد بقي ساجداً لساعتين، حتى استغربت لأمره مرة وسألته: كيف تستطيع تحمل ذلك؟ فأجابها: بل كيف أستطيع تحمل أن لا أقوم بذلك؟! هذا العشقُ الخالص لله لا بدّ له من لقاء.. وكانت حرب تموز 2006 بشارة قاسم للرحيل الذي تاق إليه، وسرعان ما خرج من المنزل من غير وداع على أساس أنه سيعود، ولكنه انطلق مباشرة إلى الجنوب ليكون في مركز عمله. خلال فترة الحرب كان كمن يسابق الأيام، لا يتعب ولا يكلّ على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي عانى منها المجاهدون في الحرب. وقد لاحظَ رفاقه في الأيام الأخيرة أن قاسماً لم يعد يقوى حتى على النوم، فتراه لا يستطيع الجلوس في مكان أو الركون إلى لحظة هدوء، فيما ازداد وجهه إشراقاً ونوراً.
* واستشهد "شهيد"
لم يكن ذلك اليوم دور قاسم في رمي الصواريخ، ولكنه تحايل على مسؤوله ليسمح له بتبديل الأدوار، ولكن الأخير لم يقبل، فلم يجد قاسم بداً من التوسل إليه فقبل على مضضٍ، ولكنه ما إن رأى قاسماً ورفيقه يمضيان، حتى التفت إلى من حوله قائلاً: "هذان الشابان سيستشهدان..". رمى قاسم ورفيقه الصواريخ، وبينما هما على دراجتهما النارية يعودان إلى مركزهما، أغار الطيران عليهما فأصيبا، فزحفا إلى شجرة ليستظلا بظلها، غير أن الطائرة الحربية سرعان ما أغارت عليهما فاستشهدا من فورهما.