مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات حسن أحمد بلاغي (أبو صادق)

نسرين إدريس قازان


اسم الأمّ: ناديا مليجي.
محلّ الولادة وتاريخها:
معركة 30/6/1987م.
رقم القيد:
199.
الوضع الاجتماعي:
متأهِّل وله ولدان.
تاريخ الاستشهاد:
13/11/2013م.


يرحلون.. ويتركون بعضاً من الحبّ يضخّ الحياة في ما تبقّى منّا.. ويفوح من ذكراهم عبقٌ يصبغُ الهواء بالحياة، وكأنّ ما يتركونه من آثارهم نبضٌ وأنفاس.. وبعضُ الأشياء تقتات من العشق لتبقى. وكذا وردة "حسن" الصغيرة التي أهداها إيّاها صديقُه المقرّب الشهيد "أيمن طحيني" قبل استشهاده بفترة قصيرة، فزرعها حسن في حوض صغير واستشهد بعد ذلك بأربعة أشهر، فبقيتْ عشرة أشهر من دون سقاء. لم تيبس بين الزرع الذابل المُسلِّم روحه، بل بقيتْ خضراء نضرة، يفوح عبقها رقيقاً كذكريات "حسن" التي لا تنضب.

* الكلمة الطيّبة زرع جميل
.. و"حسن" الذي تشبه روحه رقّة أوراق الورد، كان بينه وبين الزراعة علاقة وطيدة لم تقتصر على تقليب التراب بأصابعه، بل إنّ ما كان يزرعه كان ينمو ويربو بسرعة، حتّى صار مضرباً للمثل بذلك. كان يشبّه كلّ ما يقوم به بزرعٍ سيؤتي أُكله بعد حين؛ فما من تصّرفٍ أو كلمة، أو نظرة، إلّا وتحدّث عن أجرها المكتوب في الدنيا والآخرة، فمن يزرع النبات الطيّب والورد الجميل سيحصده.
ابنُ بلدة "معركة" –المعركة الأولى مع العدوّ الإسرائيليّ– فتح عينيه على قصص بطولات رجالات رحلوا شهداء، وبقيت قصصهم تُمجَّد في التاريخ ومع ماضٍ لم يُشهَد، وغدٍ فتح عينيه فيه على انتصارات. التحق صغيراً بالكشّافة، ليبدأ من هناك خطوات بناء الحياة الجهاديّة، مستنداً إلى الروح الإيمانيّة الصافية التي حملها بين جنبَيْه.

* أغنى الناس
"حسن" هو الطهارة والطيبةُ والإيثار والتهذيبُ وحُسن الخُلق، هكذا يصفونه فيما تلمع الدمعات في الأحداق. إنّه شجرةٌ مثمرةٌ بصفات نبيلة، تَفد إليها النفوس التائقة للتعرّف إلى الإنسان وقيَمه الأصيلة، في زمنٍ صار كلّ شيء مبتوراً ومشوّهاً..
لم يكن "حسن" غنيّاً، ولكنّ مَن عايشه لمس كم هو أغنى الناس، فقد كان يتخلّى عمّا يحتاج إليه مؤثِراً غيره على نفسه دون أن يشعر أنّه أعطى أو بذل؛ لأنّه كان يفتقدُ الشعور بالراحة إذا دخل بيت مجاهدٍ ووجده يفتقد ما يلزم وجوده في المنزل. فالعطاء وخدمة الآخرين منهجه. وكان يتصدّق ويعطي كلّ ما في جيبه وهو على يقين من أن الله سيدبّر له أمره.

بدأ حسن حياته متّكلاً بعد الله على نفسه، فعمل إلى جانب دراستــه الجامعيّة، وبين أبوَيــن محبّيــن، نشأ مع إخوته محاطـــــاً بمحبّة وحنان كبيريـــن، أكْسَبا روحه شفافيّة ورقّة.
كان حسن واضح الأهداف، لا يخطو خطوة واحدة من دون تخطيط ودراسة، يعيشُ حياته البسيطة المتواضعة وهمّه الوحيد رضى الله، فلا يبذّر ولا يسرف، ولا يتكلّم إلّا عندما يكون الكلام ضروريّاً، لذا كان صمته طويلاً، ولكنّه صمتٌ يُفهم منه الكثير.

* ليت كلّ النساء زينب
بعد أن التحق "حسن" بالعمل الجهادي، كان حريصاً جدّاً على أن يؤدّي المطلوب منه بإخلاصٍ وإتقان، فاشتُهرت عنه دقّة عمله وجودته. ومع بدء الحرب في سوريا، كان يذهب بسرّيّة تامّة، ولكنّه كان يجدُ صعوبة في إخفاء ملامح الفرحِ لما منّ به الله عليه من بركة الجهاد في حرم هذه المرأة العظيمة الجليلة، السيّدة زينب عليها السلام، التي كان يحبّ اسمها، حتّى إنّه اقترح على زوجته يوماً أن لا يناديها إلّا به.
الزوج المحبّ، والوالد العطوف، كان ما إن يعود من عمله، حتّى يعمل جاهداً لتعويض فترات غيابه بالبقاء مع عائلته وأمّه، التي كيفما تحرّك كان يقبّل يديها ويطلب رضاها، أما فقده لوالده فقد أورثه حزناً عميقاً، فيحنُّ إليه حنيناً تفشيه التنهّدات بين الكلمات.

* في السجود يداوي همّه
عندما انتقى حسن زوجته كان همّه الأوّل والأخير أن يكون لها عوناً على تطوير التزامها الدينيّ، وتعميق علاقتها بأهل البيت عليهم السلام. وعلى الرغم من أنّهما كانا يعيشان معاً وتعرفه حقّ المعرفة إلّا أنّها كانت تتفاجأ غالباً منه في بعض المواقف التي تنمّ عن تميّز تفكيره ونظرته الصائبة إلى الأمور. وليست مبالغةً إذا قُلنا أنّ "حسن" تكادُ لا تخلو جملة من حديثه من درس أو لفت نظر مع أيّ كان. فهو لم يكن ينتظر أن يرى الخطأ ليلفت نظر غيره إليه، بل كان غالباً ما يطعّم حديثه بالعِبر والدروس، ليكون كلامه تذكرة لنفسه ولغيره، فالله حاضر في كلّ تفصيل من تفاصيل حياته، فإنْ داهمه همٌّ أو ألمَّ به وجع كان يلجأ إلى السجود الطويل ليداوي نفسه.

* شهيداً في جوار زينب عليها السلام
عندما أُبلغ حسن أنّ مهامه قد شارفت على الانتهاء في سوريا، وكان سفره الأخير الذي سيجمع فيه أغراض العودة، ويُفرد بقايا روحه قرب المقام الذي طالما تعلّق به، فإنّ "حسن" كمن يأبى أن يسبقه قطار الرحيل، الذي استقلّه الشهداء قبله.. كيف لا، وقد كان كلّ ما قام به حسن قبل أيام يشي بأنْ لا عودة لهذا النقاء إلى قاع الدنيا؟ لقد أخبر حسن رفاقه أنّهم سيسمعون خبراً جميلاً في التاسع من المحرم، وقد بدا البِشرُ في وجهه، حتّى إنّ جارته قالت له وهي تودّعه من شرفتها: "أعادك الله سالماً"، فردّ عليها: "متى ستدعين لي بالشهادة يا حاجّة؟".
وبالقرب من المقام، مع حارس المقام الشهيد القائد علي محمود "أبو تراب"، استشهد "حسن"، عطشانَ، تاركاً خلفه قصصاً ومواقف يتعلّم منها الإنسان الكثير.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع