إبراهيم منصور
* من جذور الكلام
- السَّفينةُ؛ أصلُها من السَّفْنِ أي القَشْر، من فعل سَفِنَ الشيءَ
يَسْفِنُهُ سَفْناً إذا قَشَرَهُ. فالسفينةُ، على هذا، هي الفُلْكُ لأنها تَسْفِنُ
وجهَ الماء أي تقشُرُه، وهي على وزن فعيلة بمعنى فاعِلة؛ وقيل: بل أُخِذَتِ
السفينةُ من السَّفْنِ وهو الفأسُ التي يَنْحِتُ بها النَّجارُ، فهي في هذه الحال
فعيلة بمعنى مفعولة؛ أي منحوتة. وجَمْعُ السفينةِ سَفائن وسُفُن وسَفين، قال عمرو
بن كلثوم مُفْتَخِراً بقومه:
مَلَأنا البَرَّ حتّى ضاقَ عنَّا | وظَهْرَ البحرِ نَمْلَؤُهُ سفينا |
والسفَّانُ: صانعُ
السفُن وسائسُها (رُبَّانُها)؛ والسوافنُ هي الرياحُ التي تَسْفِنُ وجه الأرضِ
كأنَّها تَمْسَحُه أو تقشُرُه. وبعدُ، فالسفينةُ اسمُ عبدٍ كان للإمام عليّ بن أبي
طالب عليه السلام، إنَّما سُمِّيَ سفينةً لأنه كان يحملُ الحسن والحسين عليهما
السلام، أو متاعَهَما، فشُبِّه بالسفينة من الفُلْك، علماً بأنَّ الجَمَلَ سفينةُ
الصحراء(1).
- الوَطَن - المَوْطِن؛ أصلاً الوطنُ هو المنزِلُ الذي تُقيمُ به، وهو
مَوْطِنُ الإنسانِ ومَحَلُّه، يقول الشاعر ابن الرومي:
وَلي وَطَنٌ آلَيْتُ ألّا أبيعَهُ | وألّا أرى غيْري له الدهرَ مالِكَا |
وكان قد غَصَبَهُ إيّاهُ
بعضُ التجار؛ تقول العرب: وَطَنَ بالمكانِ وأَوْطَنَ: أقامَ، ويقولون: أَوْطَنْتُ
الأرضَ ووطَّنْتُها واستَوْطَنْتُها: اتخذْتُها وطناً؛ هذا هو الأصلُ، ثُمَّ أُطلقَ
الوطنُ على البلد الذي يعيش فيه الإنسان، أو مسقط رأسِه، وكذلك المَوْطِنُ.
والمَوْطِنُ يُسَمَّى به المشهدُ من مشاهد الحرب، وجمعُه مَوَاطِن؛ ومَوَاطِنُ
مكَّةَ مواقِفُها؛ وفي صفةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان لا يُوطِنُ
الأماكنَ؛ أي لا يتَّخِذُ لنفسه مجلساً يُعْرَفُ به(2).
* مفردة غنيَّة بالمعاني
المَنُّ؛ يقول الله عزَّ وجلَّ:
﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم
بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾
(البقرة: 264). المَنُّ -هُنا -أن
تَمُنَّ بما أعْطَيْتَ وتعتدَّ به كأنك إنّما تقصد به الأذى؛ أي أن تُوَبِّخ
المُعْطَى، فأَعْلَمَ اللهُ أنَّ المنَّ والأذى يُبطِلانِ الصدقة، وقوله تعالى:
﴿وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾(المدثر: 6)؛ أي لا تُعطِ شيئاً مقدَّراً لتأخذ بدله ما هو
أكثرُ منه؛ وفي الحديث الشريف: "ثلاثةٌ يَشْنَؤُهُم الله، منهم البخيلُ
المنَّان"؛ والمنُّ: طَلٌّ ينزِلُ من السماء، وقيل: هو شِبهُ العسل كان ينزِلُ
على بني إسرائيل إذْ هُم في التيه؛ وفي التنزيل العزيز:
﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى﴾
(الأعراف: 160)، فالمنُّ، في اللغة،
هو ما يمُنُّ الله عزَّ وجلَّ به ممَّا لا تَعَبَ فيه ولا نَصَبَ؛ ومِنْ أسماء الله
الحُسنى: "الحنَّانُ المنَّان"؛ أي الذي يُنعِمُ على عبادهِ غير فاخِرٍ بالإنعام؛
فالمنُّ هو العطيَّة، والمنُّ: ما يُوزَنُ به من كَيْلٍ أو ميزان؛ والمنُّ:
الفَتْرَةُ والخُمود، قال الشاعر:
قد ينشَطُ الفِتيانُ بعدَ المنِّ
وبعدُ فالمنُّ هو القَطْعُ، ومنه قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ
مَمْنُونٍ﴾
(القلم: 3)، جاء في التفسير: غيرَ
محسوب، وقيل: معناه أي لا يَمُنُّ الله عليهم فاخراً أو مُعَظِّماً كما يفعل بخلاءُ
المُنْعِمين، وقيل: غير ممنون أي غيرَ مقطوع، من قولهم: حَبْلٌ مَنين، إذا أخَلَقَ
وتقطّع(3).
* من لغة العرب
السُّكْنُ -السُّكَّانُ -السَّكينةُ؛ السُّكْنُ هو القُوتُ، وفي حديث المهدي
عجل الله تعالى فرجه الشريف: "حتى إنّ العُنقودَ ليكون سُكْنَ أهل الدار"؛ أي
قُوتُهم من بَرَكَتِه عليه السلام؛ وللسُّكَّانِ عدَّةُ معانٍ:
1- ما تُسَكَّنُ به السَّفينةُ، تُمنعُ به من الحركة والاضطراب.
2- سُكَّانُ البيتِ: أهلُه وساكنوه.
3- وقيل: سُكَّانُ الدار هُمُ الجِنُّ المُقيمون بها، وكان الرجُلُ في الجاهليةِ
إذا بنى داراً ذَبَحَ فيها ذَبيحةً يتَّقي بها من أذى الجِنِّ، فنهى النبيُّ عن
ذبائح الجنِّ.
والسَّكينةُ: الوداعةُ والوَقارُ، وقولُه عزَّ وجلَّ:
﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ
وَبَقِيَّةٌ﴾ (البقرة: 248) معناه: في التابوت ما تَسْكُنون به إذا
أتاكم، وقيل: كان في التابوتِ ميراثُ الأنبياء وعصا موسى عليه السلام وعِمامةُ
هارون عليه السلام الصفراء؛ وفي حديث قَيْلَة: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال لها: "يا مسكينةُ عليكِ السكينةَ""، أراد: عليك الوَقارَ والوداعةَ والأَمْنَ؛
وفي حديث زيد بن ثابت: كنتُ إلى جَنْبِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم
فَغَشِيَتْهُ السَّكينةُ؛ يريدُ ما كان يَعْرِضُ له من السكونِ والغَيْبَة عن نزولِ
الوَحْي؛ وبعدُ، ففي حديث أمير المؤمنين عليه السلام وبناء الكعبة: "فأرسلَ
اللهُ إليه السكينة"، وهي ريحٌ خَجوجٌ؛ أي سريعةُ الممرّ(4).
* مسألة لغويّة
بين المسكين والفقير؛ المسكين، على وزن مِفعيل: الذي لا شيءَ عنده يكفي عِيالَه،
والفقيرُ هو المكسورُ فِقرات الظَّهْر لشدَّة حاجته، وفي المقارنة بينهما قيل: إنّ
المسكين أَسْوأُ حالاً من الفقيرِ ويحتجُّون لتأكيد ذلك بقول الشاعر:
أمَّا الفقير الذي كانَتْ حَلُوبَتُهُ | وَفْقَ العيالِ، فَلَمْ يُتْرَكْ له سَبَدُ |
فَأَثْبَتَ أنَّ للفقيرِ
حَلُوبَةً وجعَلَها وَفْقاً لِعيالهِ، أمَّا السَّبَدُ فهو كلُّ ذي شَعْرٍ أو وَبر
كالمِعزى أو الإبِل؛ ولكنَّ معظمَ اللغويّين يَرَوْنَ أنَّ المسكينَ أحسنُ حالاً من
الفقيرِ، وهو الصحيح لأنَّ الفقير معناه مَنْ كُسِرَتْ فَقَراتُ ظَهْرِهِ لشدَّةِ
حاجته، والدليلُ الأوضح والأَنْصعُ على ذلك قولُ الله تعالى:
﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ
لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ (الكهف: 79) فأثبتَ -عزَّ وجلَّ -أنَّ لهم سفينةً يعملون
عليها في البحر، وهي التي خَرَقَها الخضرُ عليه السلام ليعيبَها فلا يأخُذَها
الملكُ الظالمُ غصْباً. أمَّا قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: "اللهمَّ
أَحْيِني مِسكيناً وأَمِتني مِسكيناً واحْشُرْني في زمرةِ المساكين"، فقد أراد
به التواضع والإخْباتَ لله تعالى، وأن لا يكونَ من الجبَّارين المتكبِّرين(5).
* لفظة بعدّة معانٍ
السِّنُّ: الأكلُ الشديد، تقولُ العرب: أصابتِ الإبلُ اليومَ سِنّاً من الرَّعْيِ؛
أي مَشَقَتْ منه مَشْقاً صالحاً؛ والسِّنُّ: واحدُ الأسنان؛ أي الضِّرْس، وسِنُّ
الثوم: حَبَّةٌ من رأسِه، على التشبيه؛ والسِّنُّ هو الثورُ الوحشيُّ؛ والسِّنُّ:
حرفُ فَقَرَةِ الظَّهْر؛ والسِّنُّ من العمر مؤنَّثة، وكذلك السِّنُّ بمعنى
الضِّرْس؛ وفي حديث الإمام عليّ عليه السلام: "بازِلُ عامينِ حديثُ سِنِّي"؛ أي
أنِّي شابٌّ حَدَثٌ في العمرِ كبيرٌ قويٌّ في العقلِ والعِلم(6).
1- لسان العرب، ابن منظور، مادة سفن.
2- م.ن، مادة وطن.
3- م.ن، مادة منن.
4- م.ن، مادة سكن.
5- م.ن، مادة سكن.
6- م.ن، مادة سنن.