مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدسات: نزار مصطفى بيروتي (ساجد)

نسرين إدريس قازان

اسم الأم: زينب جوني
محل وتاريخ الولادة:
جبشيت 20/12/1980
الوضع العائلي:
متأهّل وله ولدان
رقم السجل :
1
تاريخ الاستشهاد:
أثناء قيامه بواجبه الجهادي 24/6/2013



في تلك الليلة أحسّ نزار بروحه قد بلغت الحلقوم، وتلاشت الحياةُ من أطرافه وأمامه يقف رجلٌ قال إنه ملك الموت وقد جاء ليقبض روحه، فارتعب قلبه ليس خوفاً من الموت، بل شوقاً لزيارة السيدة زينب عليها السلام قبل مفارقة الحياة، فاستمهله لذلك، فوافق الملكُ، واستيقظَ نزار على فجرِ انتظارٍ بات صبحه قريباً.

*حلُم الشهادة
في ثنايا قلبه ترقرق حلمُ الشهادة عند أعتاب السيّدة التي سارعت قوافل المحبين لذرف دمائهم عندها، وبدأ يعدُّ الأيام، إذ إنّ دوره في الالتحاق بحرّاس المقام بات قريباً جداً، وقد أيقنَ أنّ أيام عمره صارت معدودة، ففي أثناء عيادته لرفيقه الذي أصيب في معركة الدفاع عن المقدسات إصابة في رأسه أفقدته القدرة على الكلام، كتب لنزار على ورقة عما رآه في منام: "الشهيدان علي مالك حرب(1) وعلي الخشن(2) يُسلمان عليك وقد أرسلا في طلبك..".

لم تسعه الدنيا من الفرحة وهو يمشي الهوينا بعد خروجه من عند صديقه، وصار يتحيّرُ كيف يخبئ تلك الغبطة التي اعتملت بقلبه، ويتحين فرصةَ الحديث مع والديه عن الشهادة، ومع زوجته وابنتيه الصغيرتين عن كلمات تضمر في داخلها وصايا ترافقهم بقية حياتهم.

*أوّل حروف المقاومة
منذ نعومة أظافره وهو يقلّبُ حياته في مشاهدات صراع الحق مع الباطل. كان طفلاً صغيراً لم يتجاوز الثالثة من عمره عندما كان يأخذه والده لسماع محاضرات الشيخ راغب حرب، وللصلاة خلفه في قريته جبشيت، فيسمع عن العدو الإسرائيلي والعملاء وفي قلبه ينبض الخوف من مجهول ما يسمع، غير أن انكسار العدو أمام الناس العزّل، وصمود الشيخ راغب، وحتى استشهاده، لقّنا هذا الفتى أوّل حروف المقاومة التي حفظها في قلبه وقبضته، فكان في الرابعة من عمره لمّا صوب أحد العملاء مسدسه ناحية نزار ليخيفه، فنظر إليه الطفل بلا مبالاة قائلاً: "أنا لا أخاف منك أيها البعيل" (وكان يقصد العميل بلغته الطفوليّة).

*إيمان راسخ من قِيم الجهاد
تحت سماء جبشيت نبت هذا الفتى المنغرس في ترابٍ سُقي بدم الشهداء. وفي أحضان عائلة تحيّرت كيف تغدق الدلال على بكرها، شبَّ وكبر نزار بين إخوةٍ كان لهم السندَ والملجأ، فنفسه مُذخرة بالعطاء، وما أحيط به من اهتمام ومحبة عائليّة انعكس في شخصيّته الواعية التي صُقلت باكراً جداً بسبب معايشته لأبرز الأحداث السياسة والعسكرية والجهاديّة التي مرّ فيها لبنان، فبلغ مرحلة الشباب بمبادئ إيمانية راسخة وقِيم جهاديّة وقراءة واعية للحياة، ما سهّل عليه الاختيار وهو لا يزال في أول تفتّح ربيع عمره، فترك كل شيء ليلتحق بالمقاومة وليُعيد كتابة ما حفِظته مخيّلته من بطولات لشهداء مرّوا في حياته، منهم من كان صديقاً له، ومنهم مَن تناهت إلى سمْعه قصصه.

*يا أبا صالح
نزار الذي ربَطته علاقة وثيقة بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، كان يتصرّف وكأنّه دوماً تحت ناظري الإمام، فكيف تراهُ يحمل هماً وهو يبثّ شكواه إلى صاحب الأمر؟ حتى أنّه ذات صباح لمّا أصيبت ابنته بنقصٍ حادّ في التنفس إثر التهاب قوي في الجيوب الأنفية، حملها بين ذراعيه وهي تكادُ تلفظُ روحها، وركضَ بها وهي فاقدة الوعي، وصرخَ صرخة شعر أهله أن قلبه انصدع لها قائلاً: "يا أبا صالح أدركني.. أدركني"، ففتحت ابنته عينيها وأخذت شهيقاً عميقاً تنفّس منه نزار الحياة من جديد..

بين المنزل وعمله الجهادي وحياته الاجتماعية استطاع نزار أن يوازن حياته، فلا يقصّر في مكان على حساب آخر، وإن كان العملُ احتل الحيّز الأكبر في حياته، فهو قد اختار طريق المقاومة باكراً جداً، قبل أن يتخطّى السادسة عشرة من عمره. وكان حبّه للجهاد رغبة منه في الحصول على أجر عظيم يكلّل بالشهادة التي لاحقها في الكثير من العمليات الجهاديّة والحروب التي شارك فيها. وكلما تُفلت الفرصة منه يمنّي نفسه بفرصة أهم. غير أن فوات الفرصة في حرب تموز 2006 واستشهاد العديد من أصدقائه تسبّب له بالألم العميق والغربة والوحدة.

*إلى ماذا يحتاج النصر؟
وظلّت نار الحسرة مستعرة في قلبه حتى لاحت معركة الدفاع عن المقدسات، فخمدت النار لحربٍ سيَغبِطُ من شارك بها الأوّلون والآخرون، وصار يتحيّن فرصة الذهاب إلى الشام. وكان عندما يعود يستغل فرصة وجوده مع أمه على انفراد ليسألها: هل تعلمين إلى ماذا يحتاج النصر؟ فتجيبه: إلى الدم.. فيربت على كتفها قائلاً: تذكّري دوماً ذلك.

*وسقى بدمه تراب الوطن
وتغيّر نزار بُعيد زيارته رفيقه والرؤيا التي رآها. صار سكوته يبوح بالكثير من الأشياء، وهدوؤه موجاً هادراً، فموعد الشام قد حلّ فذهب ثم أزفت العودة، ولولا أن رأى برهان ربه لقضى حنقاً، فهل تراها الشهادة أخلفت وعدها؟! ولكن! كيف تخلفُ وعدها لمن عشقها، وهي انتظرته في قلب الوطن.. وكأنّ التراب الذي أفنى عمره بالدفاع عنه أبى إلّا أن يُسقى بدمه الشريف الذي دافع به عن كرامة الوطن من شرذمةٍ أرادوا للبنان وجهاً آخر، غير أن نزار وأمثاله أبوا إلّا أن تظل تقاسيم لبنان.. تقاسيم المقاومة.


1.استشهد في حرب تموز 2001.
2.استشهد أثناء أداء تكليفه في العام 2012.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع