مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات محمّد حسن الموسويّ

نسرين إدريس قازان
 

شهيد الدفاع عن المقدّسات محمّد حسن عبّاس الموسويّ (منتظر)
اسم الأمّ: سلمى خليل الموسويّ.
محلّ الولادة وتاريخها: النبيّ شيث، 5/6/1993م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
رقم السجل: 37.
مكان الاستشهاد وتاريخه: يبرود 17/2/2014م.

ربّما كان هذا أقسى جواب سمعه أخوه في حياته على سؤال: "هل كنت مع أصدقائك؟"، تنهّد السيّد حسن(1)، وزفر زفرة طويلة: "وهل بقي أحد منهم؟".

كلّهم رحلوا، وغابـت معـهــم تلك السـهرات الأنيسـة المطعّــمة بالــفــائدة، والتي كانــوا يحييـون لياليها في شقّته التي لم تكن جاهــزة للسـكن بعــد، ولكنّــها مناسبة لجمع الأصدقاء، ولتداول أخبار الجبهات.


•ذكريات من أحبّة رحلوا
كان أوّل الراحلين الشهيد حسن أحمد، رفيق الطفولة والشباب، وشريك القرارات المصيريّة، ولم يكن آخرهم الشهيد جسور إسماعيل الذي استشهد بالقرب منه في إحدى المواجهات. وهكذا صار السيّد حسن (كما كان أفراد العائلة ينادونه) يقضي وقته متنقّلاً بين قبور أحبّته، يقطف باقات الذكريات ليرميها فوق روحه المشتاقة، يتصوّر مع شاهد الضريح، أو يضمّ صورة الصديق.

لم يصدّق عندما أخبروه أنّ حسن أحمد استشهد، يومها عاد من الجبهة، بدّل ملابسه وتوجّه إلى بيروت ليبحث عنه في المستشفيات، عساه يأخذ بيد مَن حثّه على الالتحاق بالمقاومة، بعد أن كانا يقضيان معظم أوقات فراغهما وهما يتدرّبان على الرماية تارةً، واستعارة ثياب عسكريّة لالتقاط الصور تارةً أخرى.

يومها لم يترك للسيّد حسن فرصة التفكير، فالحماسة المتوقّدة جذبتهما إلى الحلم الذي أراداه أن يصير حقيقة، فأخبر السيّد حسن والدَيه أنّه يريد الاتحاق بالعمل الجهاديّ، ولم يجدا بُدّاً من الموافقة.

•الكادّ الصغير
في سهل البقاع، بين التراب النديّ والشجر الوارف، وشتول الخضار، كان يقضي السيّد حسن معظم أوقاته مع أبيه وإخوته، حيث كانوا يعملون من الفجر وحتّى المغيب أشهراً عدّة، وبعدما دخل هو وإخوته إلى المدرسة بعد انتهاء عملهم في الزراعة، كان يحمل قلمه بإصبعَين متشقّقَين عليهما آثار التراب، التراب الذي منحهما قوّةً وبأساً.

كان السيّد حسن منذ صغره قويّ البُنية سريعَ الهمّة، ينفّذ المطلوب منه بوقت وجهد أقلّ من غيره، فمحظوظ مَن عمل معه إن كان في الحقل في صغره، أو في تحضير المنشآت بعد التحاقه بالمقاومة، ولا يحبّذ أخذ فترات من الاستراحة، بل يفضّل إنهاء المطلوب منه أوّلاً، ثمّ يستريح.

•قوّة وشجاعة لافتة
عندما يطرق باب البيت، يسارع مَن في الداخل لفتحه خوفاً من طرقة ثانية، وميّزته هذه القوّة بين أقرانه، خصوصاً أنّها تكاملت مع شجاعةٍ لافتة، ومبادرة تضعه مع الخطر وجهاً لوجه، فلم يعرف الخوف يوماً.

هكذا كان السيّد حسن، ذا شخصيّة قويّة واعية، مستقلّة ولها قراراتها الخاصّة، لم يُشعر والديه يوماً أنّه يشبه أحداً من أبناء جيله، فكان فتىً عاملاً، يتعب ويجتهد، ولم يتجاوز يوماً حدوده مع والدَيه أو إخوته قيد أنملة بدافع استقلاليّته.

•غياب مثقلٌ بالمواجهات
فجأةً، كثر غياب السيّد حسن، وافتقده والداه اللذان كانا غالباً ما يجدانه يدور حولهما ليساعدهما، وصارت زياراته القليلة إلى المنزل يقطعها اتّصال مباغت من العمل ليختفي من بعدها مجدّداً، أو حينما يشارك في تشييع شهيد، أو يرافق أصدقاءه لعيادة الجرحى... هكذا كانت أيّام الشباب مع بدايات حرب الدفاع عن المقدّسات، حتّى إنّه لم يعد يجد متّسعاً من الوقت لركوب درّاجته الناريّة وممارسة هوايته المفضّلة، بين الأودية وفي النهر وعلى المرتفعات.

كلّما عاد السيّد حسن من غيباته سألته أمّه: "أين كنت؟"، فلم يكن يتفوّه بأيّ كلمة حول عمله أو مكانه، وما عرفه الأهل عنه كان بعد أن أفصح دمُه عن قصصه في الجبهة التي عكست شخصيّته القويّة والفريدة، ففي إحدى معارك حمص، وفي أيّام شهر رمضان المبارك، دارت مواجهات قاسية مع التكفيريّين، فنال الجوع والعطش من المجاهدين، ولمّا عادوا ليفطروا، نام السيّد حسن مباشرة ولم يشرب قطرة ماء، ولكن عندما أيقظه رفاقه، شعر بأنّ شفتَيه مبلّلتان بالماء، فسأل رفاقه عمّن سقاه، فأخبروه أنّ أحداً لم يقم بذلك!

•صاحب حقّ وحميّة
أمّا في معسكرات التدريب، فهو ظلٌّ يمشي في سواد الليل، يتفقّد الجميع، يسأل عن أحوالهم وحاجاتهم، ولا يضع رأسه على الوسادة قبل أن يطمئنّ أنّ كلّ شيء على ما يرام. ولخشيته من أن يسلبه النوم فضيلة صلاة الصبح، كان يطلب إلى صديقه المقرّب أن يغسل له وجهه بالماء إن لم يستيقظ معه، فالحفاظ على أداء الصلاة في أوّل وقتها هو ما كان يذكر به نفسه ومن حوله دوماً.

لم يكن السيّد حسن يغضّ الطرف عن خطأ يحدث أمامه، أو يسكت عن حديث فيه هتك، ولم يكن لينزعج منه أحد، فالسيّد حسن صاحب القلب الطيّب والروح الدافئة، يميلُ بكلّه إلى الحقّ ولو على حساب نفسه.

•الأمانة وصلت
أحبّ والده أن يفرح به، فيما كان هو يبحث عن سعادته بعيداً عن المنزل الذي شيّده له والده، ولم يبهجه شيء في ذلك البناء، لأنّه لم يشعر يوماً أنّه البيت الذي سيسكنه. ولمّا وجد له أبوه عروساً، صار يختلق الحجج، ويتحدّث عن الأولويّات التي في حياته آنذاك، ولكنّ الحقيقة أنّه كان قد أرسل مع أحد أقرباء الشهيد حسن أحمد قميصاً له ليرموه في قفص الإمام عليّ الرضا عليه السلام، ولمّا عرف أنّ الأمانة وصلت، أدرك أنّ دعاءه قد استُجيب، وأنّ اللحاق بالرفاق بات قريباً جدّاً.

•إنّ إلى ربّك الرجعى
بهدوء ورويّة، انسحب السيّد حسن من حياة عائلته: والدَيه وإخوته وأخواته، الذين كان يملأ حياتهم بالاهتمام والمحبّة، فهو كان يحتار بما يقدّمه لهم كي يخفّف عنهم، ودائم التواصل معهم، ولكنّ تلّة من تلال يبرود في سوريا كانت بانتظاره، في معركة جغرافيّتها تخضع للتكفيريّين، وطبيعتها صعبة جدّاً، وفي ظروف مناخيّة صعبة، إذ كانت درجة الحرارة دون الصفر، وأثناء الاشتباك، وقع السيّد حسن أرضاً من دون أن ينبس ببنت شَفة، بعد أن أصابته رصاصة قنّاص في رأسه مباشرة.

كانت تلك المرّة الأولى التي يأتي فيها إلى المحور من غير أن يودّع والده، الذي لطالما همس في أذنه: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ (القصص: 85)، ﴿إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ﴾ (العلق: 8).
 

1.الشهيد محمد حسن عباس الموسوي، يناديه أفراد عائلته بـ (السيد حسن).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع