ديما جمعة
جلستُ على سجّادة الصلاة أستغفر بخشوع. أمسكتُ بيد مرتجفة القرآن، وبدأت أتلو آياته: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105).
فجأةً، قفزت أمامي أختي الصغيرة فاطمة شاكيةً: "ساعديني في حلِّ فروضي المدرسيّة.. أنا لا أفهم شيئاً منها". حملقتُ فيها بغضب، وقد تراءى لي مشهد جلوسها في الصف تثرثر بدلاً من الانتباه إلى الشرح: "ولماذا لا تركّزين مع المعلّمة أثناء الشرح؟!"، فأجابتني بصوت مبحوح مدّعيةً البراءة: "صدّقيني يا فرح، أنا أركّز، ولكنّني لم أفهم، وغداً لديّ امتحان! اشرحي لي الدرس!". حملقتُ فيها كمحقّق يحاول أن يسبر أغوار المتّهم، خاصّةً أنّني اعتدتُ أداءَ فاطمة البارع بتجسيد دور البطلة المقهورة.. وبعد ثوانٍ من التأمّل، رفعتُ حاجبَيّ هامسةً: "انتظري شادي ليستيقظ من قيلولته، فيشرح لك الدرس". وكما توقّعتُ تماماً، تحوّلت كلّ ملامح البراءة على وجهها إلى غضب، وبدأت تضرب قدميها أرضاً، ثمّ خرجت، وقد صفقت خلفها الباب!
استغفرتُ الله، وتمتمتُ البسملة بهدوء. أعدتُ تموضعي على سجّادة الصلاة، ثمّ أمسكتُ القرآن بيدي: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.. قاطعني صوت أمّي من المطبخ تنادي: "فرح! ساعدي أختك في إنجاز الفرض المدرسيّ، هيّا!". ضربتُ كفّاً بكفّ، وهتفت: "لا أريد! لتنتظر شادي ريثما يستيقظ". وسرعان ما سمعتُ وقع خطوات أمّي مهرولةً نحو غرفتي، فقفزتُ من مكاني متأهّبةً لجدال طال، لم تقتنع خلاله أمّي أنّني اعتزلتُ تَكرار شرح الدروس لفاطمة، وبقيَت تردّد: "إنّها أختك، ويجب أن تساعديها!". رفعتُ حاجبَيّ مكرّرةً العبارة نفسها: "فلتنتظر استيقاظ شادي".
خرجت أمّي من الغرفة متأسّفة، وهي تردّد بغضب: "يا رضى الله ورضى الوالدين يا فرح! كم أنا حزينة من سلوكك هذا".
لم أعرف كيف أدافع عن نفسي، ولكنّني صحتُ مبرّرة: "كلّ أعمالي الخيّرة تتناسونها حين أقصّر مرّة واحدة أو أرفض طلباً لكم!"، وأعدتُ تموضعي على سجّادة الصلاة.. استغفرتُ الله، وأمسكتُ المصحف بين يدَيّ، وبعد البسملة: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ليعلو صوت أخي شادي من خلفي، وقد رفع رأسه عن الوسادة قائلاً بحماس: "لا يكفي أن نقرأ القرآن، إنّما علينا أن نستفيد منه دروساً في حياتنا اليوميّة!". نظرتُ إليه غير مدركة لمقصده، بينما قفز من تحت لحافه الثقيل صائحاً: "فاطمة، جهّزي دروسك، فقد أتى البطل الذي سيشرحها". وبينما كان يهرول من الغرفة صحتُ به: "ومنذ متى تتمتّع بهذا القدر من الشهامة؟!". صاح: "تلك الآية! نحن ننسى أحياناً أنّ عملنا بعين الله، وبعين نبيّ الرحمة، والمؤمنين..".
خرج من الغرفة، بينما كانت دعوات أمّي له بالرضى والغفران تصدح في زوايا المنزل.. بصراحة، غبطته على اغتنام الفرص، وصحتُ من غرفتي: "مهلاً، اليوم سيشرح شادي الدرس، وغداً سيكون دوري!".