مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لقاء الحبيب: قبسٌ من نور عليٍّ عليه السلام(1)

السيّد أحمد إبراهيم صوليّ


كثيرةٌ هي القصص والروايات التي تُنقل وتُحكى عن حياة الملوك والسلاطين والحُكّام والولاة، بصورةٍ مبالغٍ فيها تصل حدّ الخيال، بحيث تجعل المرء حيرانَ بين تصديقها وتكذيبها وبين إثباتها ونفيها. لكن دعك من المرويّات والمنقولات والمسموعات، ولتعتمد على مرئيّاتك ومشاهداتك، فكم ترى اليوم من بذخ السلاطين، وإسراف الملوك، وتبذير الأُمراء، وثراء الرؤساء والوزراء؟! لكنّك في الوقت نفسه، لو عُدت مرّةً أُخرى إلى بطون الكُتب وتصفّحت صفحاتها، لوجدتَ فيها نماذج لامعة وقدواتٍ رائعة في سماء الفضيلة والتواضع، والزُهد والأدب، وتهذيب النفس وترويضها، حتّى إنَّها كانت مدارس وبيارق ومنارات يهتدي بها من لم تأسرهم شهوة السُلطة ومن لم تقيّدهم حبائلُ الدنيا الغرور.

•"يا دنيا إليكِ عنّي"
هنا يُبهرُكَ التاريخ بفخر الزاهدين وقدوة العارفين ومولى الموحّدين، مولانا ومُقتدانا أبي الأئمّة الطاهرين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بزهده وعرفانه وإعراضه عن بهرجة الدُنيا وزبرجها وزخرفها، وهو الذي كان إذا أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، قام فِي مِحْرَابِهِ، وقبض عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَيَقُولُ: "يَا دُنْيَا، يَا دُنْيَا، إِلَيْكِ عَنِّي أَبِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لَا حَانَ حِينُكِ، هَيْهَاتَ غُرِّي‏ غَيْرِي،‏ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، قَدْ طَلَّقْتُك‏ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِد"(1).

•فهذا عليٌّ من عليّ
وهنا لقائلٍ أن يقول: مهلاً! هذا عليٌّ! وما أدراك ما عليّ! هو من لبس المكارم جبّةً، وتقمّص الورع قميصاً، واتَّزر وارتدى الكمالات إزاراً ورداءً، وتقلّد الفضائل قلادةً، ولا يُقاسُ به غيرُهُ ممّن هم دونه! لكن من عظيم النعم أنَّ نفحات فضله العميم نقلتها القرون فشملت مُحبّيه، ونسمات أدبه وخُلُقِهِ الرفيع حملتها السنون فأدركت مَوَاليه، وفي يومنا هذا نُشاهدُ مُشاهدةً تجلّياً من تجلّيات تلك الروح العَلَويّة، ونُعاينُ معاينةً ومضةً من ومضات تلك النفس الزكيّة، فهذا عليٌّ من عليٍّ عليه السلام: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ...﴾ (آل عمران: 34)، وقبسٌ من نور شمسٍ ظلّلها الغمام إلّا أنَّنا نستنير بنورها ونشعر بدفئها.

•ابن "مشهد خراسان"
في أيّامنا هذه، أحدّثكم عن رجلٍ ثُنيت له وسادة الإمرة والحكم، فكان كُلُّ شيءٍ طوع أمره ويمينه، وعن رجلٍ تخضع لعلمه وحلمه وتقواه وبصيرته نفوسٌ أبيّة لقادةٍ وسادة يخطبون ودّه ويطلبون رضاه، مستعدّون لخوض اللُجج وسفك المُهج في طاعته وإنفاذ أمره، بل رغبته. أكلّمكم عن رجل اقتدى بمولاه أمير المؤمنين عليه السلام اسماً وروحاً، وكان له منه بعضُ شبهٍ وسيرة. هو عليٌّ ابن "مشهد خراسان"، وقد حمل رايةَ "رجُلٍ من أهل قم"(2)، وسار بسيرة "روح الله‏" التي انبلجت مع إشراقة شمس "خُمين".

•"ستصير يوسف"
أحدّثكم عن "الخامنئيّ‏" العزيز ورؤياه الصادقة أيّام النضال والكفاح، والتي سبقت انتصار الثورة بأكثر من عشر سنوات، حيث شاهد في عالم الرؤيا والمنام الإمامَ الخمينيَّ قدس سره مُسجّىً في نعشه، وقد سار في تشييعه باكياً ضارباً بيدٍ على أخرى من شدّة ألم الفراق، إلى أن وصلت الجنازة إلى قمّة هضبةٍ، فوقف لجهة قدمي الإمام قدس سره لتوديعه، وأخذ ينظر إلى وجهه، عندها أخذت يد الإمام قدس سره اليُمنى تتحرّك إلى الأعلى، ثمّ استوى قاعداً وعيناه مغلقتان، وقد مدّ سبابته نحوه إلى أن مسّت جبينه أو كادت، ثمّ فتح شفتيه وقال له مرّتين: "ستصير يوسف! ستصير يوسف!‏".

وقد قصّ "عزيزُ خامنه"(3) رؤياه على والدته (رحمها الله) التي فسّرتها له بقولها: "تصير يوسف، بمعنى أنّك دائماً في السجون"، وبالفعل هذا ما كان، فقد زجّ طاغوت إيران الشاه المقبور بابنها في غياهب سجونه وزنازينه، إلّا أنَّها (رحمها الله) لم تُشر إلى جانبٍ آخر من القضيّة، ووجه شبه ثانٍ بين عزيزها ونبيّ الله يوسف الصدّيق عليه السلام، فكما كان يوسف عليه السلام "عزيزَ مصر"، صار ولدها "عزيز إيران الإسلام"(4).

•"إنّني ربّيتُ السيّد الخامنئي"
لم يكن هذا الأمر صدفةً أو عبثاً، وإنَّما كان حصيلة سنوات من الجهد والجهاد، ونتيجة مسيرةٍ طويلة من العلم والعمل، من التربية والتزكية، ومن النضال والكفاح، بحيث أوصلت "الخامنئيَّ العزيز" لأن يكون ثقة أستاذه وقائده "الخمينيّ المفدّى" إبّان الثورة وقيام الدولة.

كيف لا؟ وهو حصيلة تربيته وتعليمه، وهو القائل فيه: "إنّني ربّيت السيّد الخامنئيّ"(5)، وبعد استشهاد الشهيد الشيخ مرتضى المطهّري (رحمه الله) كان الإمام قدس سره يراه لائقاً ليحلّ محلّه في مهمّة التواجد في الجامعات ومخاطبة الجامعيّين، فقال قدس سره: "أنا أقترح أن يحضر السّيّد عليّ الخامنئيّ، ويمكنكم أن تذهبوا إليه، ادعوهُ عنِّي ليحلّ محلّ الشيخ المطهّري، فهذا جيّد جدّاً؛ لأنّه رجل بصير، ويستطيع أن يتحدَّث ويُقنع"(6).

•﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾
تلا ذلك انتخاب سماحة السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله رئيساً للجمهوريّة، وبحسب دستور الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الذي ينصّ على لزوم مصادقة الوليّ الفقيه على نتائج الانتخابات وإنفاذ ما اختاره الشعب ليكون سارياً، قال السّيّد الإمام قدس سره في قرار تفويض مهامّ رئاسة الجمهوريّة إلى الرئيس المُنتخب: "إنّني، اتّباعاً للشعب العظيم، ومع علمي بمنزلة المفكّر والعالم المحترم سماحة حجّة الإسلام السّيّد علىّ الخامنئيّ (أيّده الله تعالى)، أقوم بتنفيذ رأي الشعب، وأعيّنه رئيساً للجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، ويكون رأي الشعب المسلم الملتزم تنفيذه سارياً شريطة بقائه على الالتزام بخدمة الإسلام والشعب والاستمرار في دعم الطبقة المستضعفة، وأن يكون حسب ما قاله القرآن: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29)، كما كان كذلك حتّى اليوم، وألّا يحيد عن طريق الإنسانيّة والإسلام المستقيم، وهو لا يحيد عنه، إن شاء الله"(7).

•"إنّي أفخر بك أيّها الخامنئيّ"
إبّان الحرب المفروضة التي شنّتها أمريكا على الجمهوريّة الإسلاميّة بأيدي صدّام العفلقيّ البعثيّ، يفتخر الإمام قدس سره بالسيّد الخامنئيّ دام ظله جنديّاً على خطوط الجبهة بلباس علماء الدين، حيث يقول: "وإنّي أفخر بك، أيّها الخامنئيّ العزيز، وأبارك لك خدمتك على الجبهات بلباسك العسكريّ وخلف خطوط الجبهة بلباس علماء الدين لهذا الشعب المظلوم، وأطلب من الله سبحانه وتعالى سلامتك من أجل خدمة الإسلام والمسلمين"(8).

•"لن تجدوا مثله"
في فترة رئاسته للجمهوريّة المباركة، كثيراً ما عبّر السيّد الإمام الخمينيّ قدس سره عن إعجابه بنشاط وعمل وتفاني وجهاد السّيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله، ممّا جعله يقول: "لو بحثتم في العالم كلّه من بين رؤساء الجمهوريّات والملوك وأمثالهم، فلن تجدوا مثله ملتزماً بالإسلام وخادماً له، فهو يتحرّق لخدمة هذا الشعب. إنّني أعرفه منذ سنوات طويلة، وما زلت أتذكّر كيف أنّهُ خلال انطلاقة النهضة، كان يذهب إلى النواحي لإيصال الرسائل والنداءات. وبعد ذلك، ولما بلغت الثورة ذروتها، كان حاضراً في كلّ مكان، واليوم أيضاً يواصل أداء مسؤوليّاته. إنّه نعمة إلهيّة منَّ اللهُ تعالى بها علينا"(9).


1.نهج البلاغة، ص480- 481.
2.عَنْ الإمام الكاظم عليه السلام قَالَ: "رَجُلٌ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ قُمَ‏ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ يَجْتَمِعُ مَعَهُ قَوْمٌ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ لَا تُزِلُّهُمُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ وَلَا يَمَلُّونَ مِنَ الْحَرَبِ وَلَا يَجْبُنُونَ وَعَلَى اللَّهِ يَتَوَكَّلُونَ‏ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين‏". بحار الأنوار، المجلسيّ، ج57، ص216.
3."خامنه‏" مدينةٌ من مدن محافظة أذربيجان الشرقيّة، والتي تقع في شمال غرب محافظة تبريز من محافظات الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وينحدر الإمام الخامنئيّ دام ظلهمن هذه المدينة، وإليها ينتسب.
4.للاطّلاع على تفاصيل هذه الرؤيا راجع كتاب: إنَّ مع الصبر نصراً (مذكّرات السيّد عليّ الخامنئيّ العربيّة)، ص268.
5.صحيفة الإمام قدس سره، ج15، ص177.
6.(م.ن)، ج8، ص116.
7.(م.ن)، ج15، ص247.
8.(م.ن)، ج14، ص395.
9.(م.ن)، ج17، ص217.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع