نهى عبد الله
بينما تسير الحافلة، أخذ يفكّر في ما عرفه عن تلك الصحراء عام 37هـ، المعركة والفتنة، وعن شهادة عمّار بن ياسر كعلامة فارقة، وعن دهاء معاوية وابن العاص ورفع المصاحف، وخذلان التحكيم والأشعريّ، وعن خطر المنافق إذا تلبّس بالتقوى.. أخذ يفكّر؛ ماذا لو تحلّى الناس بشيء من البصيرة؟ ومن فرط تأثّره صرخ: "كانت لتختلف النتيجة، وينتصر جيش عليّ، ويقوَّض نفوذ معاوية، ولما تمكَّن من قتل الحسن عليه السلام، ولما تمكّن ابنه من قتل الحسين عليه السلام.. ولما...". نبّهته نظرة غريبة لشريكه التاجر الذي يجلس قباله، رمى بكلماته الساخرة: "مرّت قرون وهناك من يعيش ذلك الماضي البائس!".
- "أتصوّر أنّ ذلك الماضي هو صورة لصراع مستمرّ بين الحقّ والباطل، ولو كنتُ في ذلك الزمن لنصرتُ الحقّ، وأنت؟".
- "لن أقف مع أحد.. ربّما مع مَن سيدفع لي أكثر"، وأخذ يضحك ساخراً.
بعد دقائق، توقّفت الحافلة للاستراحة، فاقترح التاجر أن يبتعدا قليلاً عن الحافلة؛ ليناقشا أعمالهما بعيداً عن أسماع الفضوليّين. حينما لاحظ أنّهما ابتعدا كثيراً، غدره التاجر بضربة حجر شقّت رأسه، فوقع أرضاً وشعر بالدماء الحارّة تسيل على وجهه. استمرّ التاجر بضربه، وهو يصيح ساخراً: "الآن ستكون أرباحك من نصيبي وحدي". كان آخر ما سمعه قبل أن يغيب عن الوعي: "دَعْ عليّاً ينقذك الآن".
حين استفاق، وجد رأسه مضمّداً، أغراضه إلى جانبه. "لقد أنقذك عليٌّ.. إنّه والدي، كان ذلك اللّصّ الأحمق يناديه بأعلى صوته". أخبره صبيّ وهو يتأمّله بفرح.
رسم ذلك الجرح ندبةً على جبينه، يجيب كلّ من سأله عنه: "ضربةٌ تلقّيتها في صفّين، وأنقذني عليّ". ففي معركة الحقّ والباطل، لا مكان للحياد، الذي سيتَقَنّع بشيء آخر ليسوقك إلى الباطل.