مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع إمام زماننا: ... ودليلاً وعيناً (*)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ


أن نذكر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بشكلٍ يوميّ، وندعو له بتعجيل الفرج، ونُشركه في عباداتنا ونهديه ثوابها، هي أمورٌ يحبّها الإمام وتُدخل السرور إلى قلبه الشريف، ولكن ماذا لو كان الإمام هو من يرعانا بعنايته الخاصّة، ويحلّ مشاكلنا، ويؤمّ صلاتنا؟!

•رفيق سفر السالكين
إنّ السالك إلى الله، حين يدرك وجود رفيق حليمٍ إلى جانبه، يواصل سلوك طريقه دون اضطراب. وأمّا إذا لم يتمكّن رفيق الطريق من إيصال رفيقه إلى الغاية المقصودة، فيتركه وحيداً مكتفياً بإراءة الطريق له، فلن يصل السالك إلى الغرض المنشود، كما أنّ وصوله إلى ما يمكنه الوصول إليه سيكون مشفوعاً بالاضطراب والحيرة. ومن هذا المنطلق، أمر الله تعالى نبيّه الأعظم بالصبر وبمرافقة السالكين إلى جادّة العبوديّة: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ (الكهف: 28).

ولمّا كان إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان أيضاً مخاطباً بالآية الكريمة، كما أنّه يسير على نهجها، ومعه يكون دليلاً ورفيقاً للسالكين الطالبين لوجه الله. فمن كان من أهل الذكر صباحاً ومساءً، ومن المقيمين الصلاة بواجباتها ونوافلها، ومن السابقين إلى فعل الخير في سبيل الله، كان من السالكين المرافقيـــــن للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترتـــــه الطاهرة عليهم السلام، مضافاً إلى مرافقته للوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ثمّ إنّ أصحاب هذا الطريق ليشعرون بالأمن والطمأنينة، ويدركون أنّ مولاهم يرافقهم في حركاتهم وسكناتهم. فهو لا يكتفي بقيادة المجتمع في إطار السياسة والحكومة فحسب [أعني: الحكومة العالميّة]، بل يتعدّى ذلك ليكون مولى السالكين، المتّصل بهم، المرافق لهم في مسيرهم قدماً بقدم. إنّه إمام القلوب، كما أنّه إمام الأبدان، وإمام الجهاد الأكبر، كما هو إمام الجهاد الأوسط والجهاد الأصغر.

•قائد قافلة العشق
الإنسان موجود متحرّك لا يمكن أن تمرّ عليه لحظة سكون، وإذا كانت كلّ حركة بحاجة إلى محرّك، كان للإنسان محرّك بالضرورة؛ لأنّه لا يُعقل البتّة أن توجد حركة ويوجد متحرّك من دون وجود محرّك.

ومع أنّه لم يرد في القرآن الكريم لفظا الحركة والمتحرّك ليكونا مقدّمة لذكر احتياجهما إلى المحرّك، إلّا أنّ عنوان السير المرادف لمفهوم الحركة ورد في القرآن الكريم في ضمن الإشارة إلى أنّ الله تعالى هو المسيّر لغيره: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر﴾ (يونس: 22) و﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ (الكهف: 47). كما وردت ألفاظ أُخر ذات مدلولٍ قريب منه، نحو: (جرى) و(سَبَح) ونحوهما في غير موضع من القرآن الكريم: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ (يس: 28)، و﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الأنبياء: 33).

وفي بيانه لهذه الحقيقة –أعني افتقار الحركة إلى محرّكها- أفاد مولانا الإمام الكاظم عليه السلام قائلاً: "وكلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به"(1).

إنّ الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، وسائر العبادات تصعد إلى الله، حسبما يُستفاد من قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر: 10). وإنّ العمل الصالح الصاعد يحتاج إلى أعمال أخرى تتيح له الصعود، كما يحتاج إلى تحريك، وإلى عامل مساعد، وإلى أُسوة حسنة، وبرامج ولائيّة قياديّة. وهذه القيادة ليست إلّا العمل الصالح للإنسان الكامل؛ أي الإمام المعصوم في كلّ زمان.

أ- صلاته تؤمّ صلاة المصلّين: ومنه يظهر أنّ من أقام الصلاة في أوّل وقتها، فقد وصل صلاته بقافلة الصلوات التي أمّها وليّ الله ورفعها لتصعد إلى الله؛ نظراً إلى أنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يقيم صلاته إلّا أوّل وقتها.

ب- بركات الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحجّ: كما أنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف -أي قائد قافلة الأبدان والأرواح- يفيض إلى الحجّ كلّ سنة، ويشارك في مراسمه، ويؤدّي مناسكه في عرفات ومِنَى، حسبما أفاد مولانا الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه"(2).

والجدير بالذكر، أنّ بعض الحجّاج والمعتمرين قد يواجه مشاكل، فتنحلّ تلقائيّاً ببركة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن الممكن أن يضلّ جاهلٌ أو عجوزٌ طريقه إلى الخيام أو يبقى مدّة سفره متنقّلاً من مكانٍ إلى آخر بلا زادٍ أو راحلةٍ، فيتدخّل أحد أولياء الله ممّن تربّى في مدرسة ولاية إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيحلّ له مشكلته، فيكون ذلك من عنايات الوجود المبارك للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بالواسطة، إلّا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أنّ كلّ عمل خارق للعادة، وكلّ كرامة في أيّام الحجّ وعلى أرض عرفات أو مِنى، لهما ارتباط مباشر بالوجود المبارك لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

•دور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في ظهور الدين الإلهيّ
لا شكّ في تحقّق ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما لا كلام في أنّ العالم أجمع يعيش بانتظار ظهوره. وليُعلم أنّ أحد معاني الظهور أو لوازمه هو النصر والغلبة، كما أنّ من أبرز مصاديق أمر الله الدين الإلهيّ. إنّ الغرض النهائيّ من بعثة الأنبياء هو ظهور دين الله على جميع الأديان الباطلة أو المنسوخة: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾(التوبة: 33)؛ أي قيادة الكمّل في الأرض، ولا سيّما الحجّة ابن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. والوجه فيه، أنّ خاتم الأوصياء استقلّ بتأييد إلهيّ خاصّ وتميّز بوراثة جهود المعصومين السابقين عليهم السلام باعتبارهم جميعاً المستقرّين في أمر الله(3)، الساعين إلى تفتّق القدرات الإدراكيّة والعقليّة الكامنة في الناس من جهة، والعاملين لانتشار العدالة في المجتمع من جهة أخرى، فيرافقهم التسديد والتأييد في تحقّق أمر الله ودينه؛ ليظهره على سائر الأديان والمذاهب، وليتغلّب عليها فكريّاً وثقافيّاً. وكما تغلّب حواريّو المسيح عليه السلام بإذن الله في مرحلة محدودة على الكفّار: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف: 14)، فكذلك سوف يعمّ السلم والعدل على جميع أنحاء المعمورة، كما قدّره المولى تعالى على يد الوجود المبارك لبقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ أعني خاتم الأوصياء عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعصارة جميع الذوات المقدّسة السابقة عليه.


(*) مقتبس من كتاب: الإمام المهدي الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، الفصل الثاني من الباب الأول.
1.الكافي، الكليني، ج1، ص125.
2.(م.ن)، ج1، ص338.
3.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج2، ص610.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع