السيد علي محمد جواد فضل اللَّه
هو أبو محمد الحسن بن موسى بن الحسن بن محمد بن العباس بن إسماعيل بن أبي سهيل بن نوبخت، وهو ابن أخت أبي سهل النوبختي الذي تقدم ذكره معنا . إلى هذا، فإن كتب التراجم لم تحدثنا عن سيرة والده حتى أن بعض الباحثين(1) يذهب إلى التشكيك بنسبة والده (موسى) إلى آل نوبخت، ومن هنا يكون ولده المترجم له لا ينتسب إلى آل نوبخت من جهة الأب بل يعود ذلك إلى جهة الأم. حيث أجمع المؤرخون على أن أمه هي أخت أبي سهل النوبختي، فهو خاله، ومن هنا فربما انتسب إلى أخواله النوبختيين فصار نوبختياً. إلى هذا، فإن الملاحظ أن كتب التراجم لم تذكر تفاصيل عن حياة الحسن بن موسى النوبختي، فقد أهمل المؤرخون تاريخ ولادته وكذلك لم تتحدد السنة التي توفي فيها وإن كان هناك اجماع لدى المؤرخين على أنه قد توفي في العقد الأول من القرن الرابع الهجري بين سنة (300 و301ه) وقد أمضى أكثر عمره في النصف الثاني من القرن الثالث. حيث ذهب السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمته لكتاب (فرق الشيعة) للمترجم له إلى القول إن ولادته كانت في السنوات الوسطى من القرن الثالث الهجري(2). عصره: لا شك أن لعصر الإنسان ومعاصريه التأثير الكبير على فكره وثقافته وطريقة نظرته للأمور والحياة من حوله، وكما يقول الشاعر:
نتناً من النتن أو طيباً من الطيب |
والريح آخذة مما تمر به |
وقد كان العصر الذي عاش فيه الحسن بن موسى عصراً زاخراً بالعلوم والمعارف على اختلاف أنواعها ومشاربها، إذ هو العصر الذي كان المسلمون قد انفتحوا فيه على الثقافات والأفكار المختلفة وخاصة الفلسفة والعلوم الوافرة من اليونان. إضافة لذلك فقد كان عصره عصر تصارع الآراء والأفكار المتنوعة، ومناظرات الفرق المختلفة واحتجاجاتها. وفي هذه الفترة اشتغل عدد من المتكلمين من مختلف الفرق الإسلامية بتأليف كتب تدور حول آراء وأفكار المذاهب والملل والنحل ومقالاتها، وعمدوا في هذه الكتب إلى دحض آراء الفرق الأخرى ونقضها. ويذكر الباحثون أن المعتزلة يومئذٍ كان لهم قصب السبق في هذا المضمار.
* أقوال العلماء فيه:
يقول الحسن بن داود في رجاله عند ترجمته إياه: "من أكابر هذه الطائفة، وعظماء هذه السلالة وكان الحسن متكلماً وفيلسوفاً، إمامي الاعتقادا"(3). وذكره الخوانساري في روضات الجنات في ذيل كلامه عن أبي سهل إسماعيل النوبختي، بقوله: "ثم إن من كبار الفضلاء النوبختيين وفقهائهم المتكلمين أيضاً: ابن أخت هذا الشيخ الجليل النبيل: الحسن بن موسى النوبختي المتكلم المشهور، صاحب التصنيفات الكثيرة في متفرِّقات الأفنان والأبحاث الواردة الغفيرة على حكماء يونان، وكان من أفاضل رأس الثلاثمائة الهجرية"(4). وقال السيد ابن طاووس في فرج المهموم: "كان الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي عارفاً بعلم النجوم قدوة في تلك العلوم وقد صنف كتاباً استدرك فيه على أبي علي الجبائي لما ردَّ على المنجمين"(5). ووصفه ابن النديم في الفهرست بأنه "متكلم فيلسوف" وذكر أنه "كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة مثل أبي عثمان الدمشقي وإسحاق وثابت وغيرهم، وكانت المعتزلة تدعيه والشيعة تدعيه، ولكنه إلى حيز الشيعة ما هو (هكذا في الأصل) لأن آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده (عليهم السلام) في الظاهر... وكان جمَّاعة للكتب قد نسخ بخطه شيئاً كثيراً، وله مصنفات وتأليفات في الكلام والفلسفة وغيرها"(6). وقال النجاشي في حقه: "شيخنا المتكلم المبرَّز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها"(7). وقال صاحب لسان الميزان: "الحسن بن موسى النوبختي أبو محمد من متكلمي الإمامية وله تصانيف كثيرة جداً"(8).
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: "الحسن بن موسى النوبختي، يكنى أبا محمد متكلم فيلسوف، وكان يجتمع إليه جماعة من نقلة كتب الفلسفة مثل أبي عثمان الدمشقي وإسحاق بن ثابت وغيرهما، وكان إمامياً حسن الاعتقاد نسخ بخطه شيئاً كثيراً وله مصنفات كثيرة في الكلام وفي نقض الفلسفة وغيرهما"(9). وقال السيد حسن الصدر في تأسيس الشيعة: "الشيخ الجليل الحسن بن موسى النوبختي من أعلام الماية الثالثة وقبلها المذكور في أئمة المتكلمين"(10). هذا، والذي يبدو من تأكيد الأعلام على إماميته هو ما ذكره ابن النديم من ادعاء المعتزلة له وأنه ينتسب إليهم فاقتضى ذلك في الأعلام إمامية وغيرهم دفع هذا الالتباس والتنصيص على كونه شيعياً إمامياً، وربما يعود هذا الالتباس في نسبته إلى الاعتزال كما يرى بعض الباحثين إلى كونه كخاله أبي سهل قريباً من المعتزلة وخاصة معتزلة بغداد، فمثلاً نجده قد احتج وناصر رأي أبي عمرو معمَّر بن عباد المعتزلي في مسألة الإنسان. وعلى كل حال، فإن الحسن بن موسى عبر مؤلفاته في الإمامة ودفاعه عن حياضها وسيره على نهج مدرسة خاله أبي سهل في مختلف المواضيع العقيدية التي لها علاقة بالمذهب، فإن ذلك لا يدع مجالاً للشك في انتسابه إلى الشيعة والتشيع.
* موقعه الفكري:
وإن أدنى اطلاع على قائمة مؤلفات أبي محمد ومناظراته ومسائله والتي بلغت الثلاثة والأربعين مؤلفاً، لتدلنا على مدى إحاطته بعلوم عصره ومدى تأثيره وتفاعله مع محيطه الثقافي. ونحن نلاحظ من خلال هذه القائمة من الكتب والمسائل والمناظرات مدى التنوع المعرفي الذي كان عليه. فقد تناول في مؤلفاته مختلف المواضيع الكلامية وبخاصة مباحث الإمامة ومباحث الألوهية وكذلك العديد من المباحث الفلسفية وفي نقدها أيضاً . وكذلك فقد كتب في علم الأصول وخاصة فيما يتعلق بخبر الواحد وكذلك كتب في علوم التنجيم، وكتب في الملل والنحل وغيرها من العلوم. هذا إضافة لكونه من الأدباء ورواة الأشعار، ومن المؤسف أنه لم يصل إلينا من هذا النتاج الثرّ إلا كتاب واحد هو (فرق الشيعة)، مع أن البعض يذهب إلى التشكيك في نسبة هذا الكتاب إليه. إلى هذا، فقد كانت داره مختلفاً للطبقة الأولى من علماء عصره وأفاضلهم، وذلك بسبب رغبته في كسب العلم والأدب. إلى هذا، فإن أبا محمد قد أخذ العلم عن أبي الأحوص البصري وأبي سهل إسماعيل وتباحث مع البعض الآخر كأبي جعفر بن قبه وأبي مالك الأصفهاني وأبي القاسم البلخي وحاور وناظر الجبائي المعتزلي وقام بدحض عقائد بعض من لا ينسجم والمذهب الشيعي الإمامي. إلى هذا، فإن أبا محمد كان من أكثر النوبختيين اهتماماً بالفلسفة ومذاهب الفلاسفة وكان يمتلك براعة نقدية في الآراء والمسائل الفلسفية مع أنه كان متكلماً. وقد مرَّ معنا في ترجمته أنه كان يُعد من الفلاسفة. وأستقرب أن يكون أبو محمد من أوائل من أطلق عليهم لقب فيلسوف عند الإمامية، وقد استطاع أن يلخص كتب الفلسفة القدرية مضافاً إلى اختلاطه بمترجميها ومطالعته لكتب أرسطو.
وقد كانت له كتب نقدية في هذا المجال، فقد ألف في تفنيد بعض آراء الفلاسفة والمناطقة. إلى هذا فإن هذه النزعة الفلسفية لا شك أنها تركت أثرها على نتاجه الكلامي، أي إن أبا محمد الفيلسوف لا بد وأن يؤثر بطبيعة الحال على أبي محمد المتكلم إن على صعيد الأدلة والحجج العقلية أم على صعيد المسائل المطروحة وكيفية تناولها ومعالجتها. وإذا عرفنا كونه أديباً فإن نصه سيكون حينئذٍ قريباً مما نطلق عليه اسم الأدب الفلسفي. وهكذا، فإن من القريب جداً كون النص الكلامي الذي تركه أبو محمد النوبختي جاء فيه الكثير من التجليات الفلسفية وإذ كان الأمر كذلك فإن أعماله الكلامية تكون حينئذٍ فاتحة لعصر كلامي جديد عند الإمامية فيه الكثير من الأساليب والمناهج العقلية الفلسفية.
(*) كثيراً ما اعتمدنا في هذه الترجمة على ترجمة عباس اقبال في كتابه آل نوبخت، ص155 197.
(1) أعني به مؤلف الكتاب المذكور أعلاه.
(2) فرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، دار الأضواء، ص19 20.
(3) فرق الشيعة، ص16.
(4) روضات الجنات، ج1، الدار الإسلامية، ص122.
(5) فرق الشيعة، ص16
(6) ص251 252.
(7) رجال النجاشي، ج1، رقم الترجمة 146، ص179 180.
(8) ابن حجر العسقلاني، ترجمة رقم 1075، ص258.
(9) ترجمة رقم 150، ص46.
(10) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، ص234.