إعداد: م.ص
"السيد نصر اللَّه لديه حجَّة منطقية ومقنعة لوجود السلاح في أيدي حزب اللَّه"... هذا باختصار ما أدلى به واحد من أهم الشخصيات الثقافية على مستوى العالم... ففي الثاني عشر من شهر أيار للعام 2006م، وعلى مسافة أيام من عيد التحرير، وفي الوقت الذي شهد تكريم المدافع الأول عن الجرائم الصهيونية (جون بولتون) كان نعوم تشومسكي، وهو يحمل في جعبته وقائع نصف قرن من المواجهة الثقافية للطغيان الامبريالي والاستكبار الأمريكي، يلتقي، ولمدّة ساعتين، سماحة الأمين العام لحزب اللَّه السيد حسن نصر اللَّه.
نعوم تشومسكي في سطور:
أحد أهم "المنشقين" في الولايات المتحدة الأمريكية، تمرد على سياسة الاعتداء وقهر الشعوب التي تنتهجها بلده. كان عضواً ناشطاً في حركة "قاوم" Resist المعارضة للتدخل الأمريكي في فيتنام. وصفته منظمة "بناي برين" أي "أبناء العهد الخمسة"، اليهودية الصهيونية بأنه أشد مواطني الولايات المتحدة عداءاً لإسرائيل. واعتبرته محطة ال"سي إن إن" الاخبارية العالمية من أهم نقاد السياسة الأمريكية... وأخيراً، وفي أحد الإستفتاءات الثقافية في الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبر نعوم تشومسكي واحداً من أهم ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة(1).
إنه "نعوم تشومسكي" المواطن الأميركي اليهودي... ولد في أميركا عام 1928م، وحصل على درجته العلمية في مجال اللغويات في العام 1951م من جامعة بنسلفانيا. كانت دولة "إسرائيل" يومها تدغدغ مشاعر اليهود في العالم، فجاء ليعيش في أحد "الكيبوتسات"، ولكن سرعان ما فاجأته الجرائم الصهيونية، فترك "إسرائيل" وعاد إلى الولايات المتحدة. عام 1955م عمل في جامعة هارفارد، ثم انتقل ليعمل في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، وما زال يعمل فيه حتى الآن. في العام 1957م نشر مؤلفه الهام "البناء السياقي" الذي تضمن نظريته في علم اللغويات الحديث المعروفة باسم: "النمو التوليدي أو التحويلي". ومن ثم أتبعَ ذلك بعدة دراسات منها "اللغة والعقل" و"بعض جوانب نظرية السياق"، و"القواعد والتمثيلات" و"دراسات سيمانطقية في النحو التقليدي".
إن الجانب الأهم فيما يخص الصورة الثقافية لتشومسكي هو كونه من أشد المدافعين عن قضايا الشعوب، وخاصة القضية العربية الأساسية، ومن أشد المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية. فهو يصفها في كتبه ومقالاته بأنها ضالّة ومضلّة، وخادمة لذوي المصالح الخاصة ورجال الأعمال، وتكيل بمكيالين، وتذهب بالعالم نحو الدمار الكوني لأن منطقة الشرق الأوسط شديدة السخونة في العالم. ومن كتبه السياسية: "السلام في الشرق الأوسط" و"مثلث المقادير" و"ثقافة الإرهاب" و"أوهام ضرورية" و"الديمقراطية المعوّقة" وغيرها. وفي إحدى المقابلات معه بعد أحداث 11 أيلول، عبّر عن آرائه السياسية ومما قال(2):
"كثيراً ما أوضح علماء السياسة أن الولايات المتحدة هي أساساً دولة يحكمها حزب واحد هو حزب رجال الأعمال المؤلف من جناحين: الديمقراطيين والجمهوريين. وعن أهداف الوجود الأمريكي في العراق يقول: "لا أحد يجادل في أن الهدف الرئيسي هو السيطرة على الاحتياطي الهائل للطاقة النفطية في منطقة الخليج الفارسي". وينتقد كلام "جورج كينان" أحد المخططين السياسيين لأمريكا الذي قال منذ نصف قرن: "إن التحكم في مصادر الطاقة في الخليج يمنح "قوّة الفيتو"!!". ويقول: "إن الأشخاص الحاكمين في واشنطن منحوا دعمهم لصدام الذي ارتكب الفظائع وهم أنفسهم دعموه عندما سحق انتفاضة عام 1991م التي كان يمكن أن تطيح بالطاغية"...
وخلاصة القول: في هذا الوقت الذي نشهد فيه انسحاق الثقافة والمثقفين أمام مشاريع الهيمنة الديمقراطية لأمريكا في المنطقة، هل يستفيد مثقفونا درساً في حرية التعبير من أمثال نعوم تشومسكي؟
(1) الشخصيتان الأخريان الأكثر شهرة هما "فوكوياما" و"صموئيل هنتنغتون".
(2) من مقابلة نُشرت بتاريخ 29 - 11 - 2002 في جريدة الجماعة الإسلامية في كردستان.