مقابلة مع سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد
إعداد: هبة يوسف عباس
شيخ الشهداء، القائد، المجاهد، المعلم والأب الحنون، أوصافٌ وألقاب تنطبق كلها على من ضحى بدمه ليبقى موقفه سلاحاً رافضاً كل أنواع الذل في وقت كَثُر فيه الأَذِلاَّء وليعلن أن المصافحة اعتراف. هو من وقف في وجه العدو الصهيوني، هو الجنوبي من قرية جبشيت، إنه طبعاً الشيخ راغب حرب ومَن أولى بالتحدث عنه أكثر من ابن قريته جبشيت، رفيق الطفولة والشباب، رفيق الدرب الذي حمل الوصية بعد استشهاده: "إكمال طريق المقاومة مهما حصل" وما زال، إنه الشيخ عبد الكريم عبيد الذي سيحكي لنا عن راغب حرب القائد، المجاهد والإنسان.
- متى بدأت معرفتك بالشهيد الشيخ راغب حرب؟
الشيخ راغب هو ابن ضيعتي ورفقتي له بدأت منذ الطفولة حيث كنا في نفس المدرسة ونفس الصف وهنا أذكر حادثة طريفة عن الشيخ حيث كان محباً للغة العربية وكارهاً للغات الأجنبية الأخرى، فقام أستاذ اللغة الفرنسية في إحدى المرات بسؤاله عن معنى كلمة، فلم يعرف، فبدأ الأستاذ بالضحك عليه، عندها قام الشيخ وسأله بدوره عن معنى كلمة فارتبك الأستاذ، عندها قال الشيخ: إذاً نحن متساويان. قرر الشيخ فيما بعد ترك المدرسة والتوجه لطلب العلم في النجف الأشرف، وأنا نزلت إلى بيروت لألتحق بالجامعة، لنلتقي بعد ذلك حين عاد هو إلى الجنوب وأنا كنت أتردد إلى ضيعتي بين الحين والآخر.
- كيف برزت شخصيته المميزة بعد عودته من النجف الأشرف؟
بدت عليه علامات المسؤول والقائد إذ كان يصر دائماً على الموقف إذا اقتنع به وكان تكليفاً شرعياً، ومن ضمن قناعاته الراسخة التي ثبتها لأول مرة في لبنان إقامة صلاة الجمعة حيث أن أول صلاة جمعة أقيمت كانت في جبشيت.
- في زمن الشيخ راغب حرب لم يكن مفهوم التدين منتشراً كما هو اليوم، كيف استطاع نشر هذا المفهوم في قريته والقرى المجاورة؟
طابع جبشيت بذاتها هو طابع محافظ، إذ أن ما عرفته القرى الأخرى من مظاهر انتشار التنظيمات اليسارية والشيوعية لم تعرفه قرية جبشيت، ومع مجهود الشيخ راغب لإقامة صلاة الجمعة وإقبال الناس عليها وشخصيته القريبة من الناس فإن كلامه عن الدين والتدين بات مقبولاً ومسموعاً عند كل من سمعه، فهو شاب وكان يوجد مع شباب القرى وأهلها دائماً. هذه الشخصية النادرة في أيامنا هذه، والمنفتحة على كل العقليات جعلته قادراً على استقطاب الناس.
- ما كان دور الشيخ راغب حرب أثناء الاجتياح الإسرائيلي وكيف تعامل مع هذا الواقع؟
في اليوم الذي حصل فيه الاجتياح التقيت به في المطار السوري، كنت أنا عائداً إلى بيروت وكان هو ذاهباً إلى طهران لحضور مؤتمر وعند عودته إلى لبنان أصرّ على الذهاب إلى الجنوب وبدأت هنا مسألة المواجهة مع العدو. كان الشيخ مشخصاً للعدو وعارفاً له حق المعرفة، إذ لم يكن عنده أي تردد في أحقية ووجوب مواجهته، وكان يقول: "عليَّ بالإمكانيات الموجودة عندي فإذا لم أستطع فعل شيء عليَّ بالكلمة" ولهذا لديه الموقف المشهور: "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف" وكان أيضاً يرفض رفضاً قاطعاً ترك الجنوب رغم تهديد العدو له بالاعتقال والقتل. وكان الشيخ أيضاً قائداً للمجاهدين في عمليات المواجهة مع العدو.
- كان للشيخ راغب حرب حوادث مميزة في مواجهته للعدو، ماذا تذكر منها؟
أذكر حادثة أو حادثتين للشيخ، ففي إحدى المرات كان الشيخ في منزله مع مجموعة من الشباب فجاء جنود العدو وأرادوا الدخول فرفض الشيخ ومنعهم، حتى أنه غادر منزله قائلاً للضابط: "إذا أردت الدخول فلن أجلس في منزلي"، فمشى الشيخ والجنود يمشون إلى جانبه في السيارة والضابط يحاول أن يكلمه أو يسلم عليه، فرفض رفضاً قاطعاً قائلاً: "أنت إحتللت البلد، لكن قرار بيتي بيدي". الحادثة الثانية هي عندما أراد العدو اعتقال أفراد من القرية فكان الشيخ راغب أول المواجهين لمنعهم من الدخول إلى القرية، هذه الحوادث تضاف طبعاً إلى مواقفه العلنية الواضحة ضد العدو في خطب الجمعة ولم يكن يهادن أو يُساوم.
- ماذا كانت ردة فعل الناس عند اعتقاله؟
بقي معتقلاً لمدة 17 يوماً. نفذ الأهالي اعتصاماً في الحسينية دام طوال فترة اعتقال الشيخ، هذا الاعتصام كان أول حركة اعتصام ضد إسرائيل لذلك لم تجرؤ على اقتحام الحسينية مع تهديدها الدائم بذلك، فأطلقت سراح الشيخ في اليوم السابع عشر وبعدها تم استعمال الاعتصام كسلاح ضد إسرائيل، وكان الشيخ يقود هذه الإعتصامات بنفسه، والجميل أن هذه الإعتصامات أصبحت كمدرسة يتم فيها إعطاء الدروس الدينية والمحاضرات.
- ماذا حصل بعد اطلاق سراحه؟
بعد اطلاق سراحه اختلف عمل الشيخ راغب من حيث تواجده في القرية وتحركاته إذ أصبح مستهدفاً وطلب منه العدو النزول إلى بيروت أو السفر إلى قم للعلم أو السكوت فرفض قائلاً: "لن أترك الجنوب ولن أسكت على الظلم".
- متى كانت آخر مرة رأيته فيها قبل استشهاده؟
رأيته تحديداً قبل أسبوع من استشهاده، حيث كنا في سهرة مطولة مع الشباب، في تلك الليلة طلب مني وجوب إكمال هذا الطريق مهما حصل. لقد كان متوقعاً شهادته إذ أخبره الضابط أن "اعتقاله جعل منه بطلاً وهذا الخطأ لن يتكرر" وهذا فعلاً ما حصل.
- كيف ومتى تم الاغتيال؟
الاغتيال حصل ليلة الجمعة في 16 شباط 1984، كان الشيخ في زيارة لأحد الإخوان لتهنئته بمولوده الجديد وعند خروجه كان العميل قد كمن له وراء حائط حديقة المنزل فأطلق عليه النار، وآخر كلمات همس بها الشيخ كانت: "اللَّه أكبر، فزت ورب الكعبة".
- كيف تميز الشيخ راغب في حياته العبادية؟
كانت علاقته باللَّه سبحانه وتعالى مميزة جداً، إذ لم يكن هناك تكلف في هذه العلاقة بل حب صادق وخالص للَّه تعالى، الصلاة والصوم كانا من الأمور البديهية عنده بسبب نشأته في بيئة متدينة، كان يحب قراءة القرآن ومجالس العزاء وكان يتميز بحالة خشوع تصل لدرجة البكاء، ومعروف عنه قصيدة أحبها كثيراً عن الإمام الحسين عليه السلام حوّلها إلى ندبة بعنوان: "يا شهيداً لم تزل رغم السنين". كان يقرأ دعاء كميل بصوتٍ حنون يحرك المشاعر. ومن الأمور العبادية التي اشتهر بها الشيخ راغب حرب اهتمامه بالأيتام حيث كان يعاملهم كأب وأخ حتى أنه تبرع بقسم من منزله ليكون داراً لليتيمات وجعل قسماً من الحسينية للفتيان، كما قرّر بناء مبرة السيدة زينب عليها السلام التي لا تزال إلى الآن إذ ساهم في بنائها بيده فكان ينقل الأحجار والبحص، كذلك كان يهتم بعوائل الشهداء.
- ما هي الأمور التي تعلمتها من الشيخ راغب؟
عدم المجادلة في حكم شرعي وعدم الغناء، صلاة الجمعة أيضاً كانت من الأمور التي تعلمت من الشيخ المثابرة عليها واعتبارها أمراً مقدساً لا أقطعه أبداً، إضافةً إلى رعاية الأيتام وعوائل الشهداء.
- كيف هو الشيخ راغب حرب الإنسان؟
كان مع الصغار أباً، مع الأتراب أخاً، مع الكبار ابناً. لذلك عندما استشهد فقده كل بيت، كان متواضعاً بملبسه ومأكله وتعامله مع الناس، كانت روحه خفيفة وشخصيته محببة وجذابة للناس فلم يكن هناك فارق بينه وبينهم، وإذا خلع الجبة والعمامة كان يلبس ثياباً مدنية عادية أي قميصاً وبنطالاً، وهذا ما قرَّب الناس إليه، حتى أنه كان يساعد أهل القرية في أمورهم مثل قطع الحطب، أو نقل الحجارة... لدرجة أن محاضراته كانت الأكثر حضوراً وأثراً في الناس بسبب أسلوبه المؤثر والجذاب.
- بكلمات قليلة كيف تصف الشيخ راغب حرب؟
أنا حقيقةً أستغرب اجتماع اللين والحزم في شخصية واحدة، الشيخ راغب حرب نوعية معينة خاصة. لطالما كان من عشاق الثورة الحسينية والإمام الحسين عليه السلام، كان دائماً يضع هذه الثورة أمام عينيه ويقتدي بها معتبراً أنه كما قدم الحسين عليه السلام أبناءه وأصحابه ونفسه في سبيل إبقاء كلمة اللَّه هي العليا علينا أيضاً تقديم كل غالٍ ونفيس في سبيل محاربة العدو الصهيوني الغاصب واسترجاع حقنا وأرضنا.