تحقيق: نانسي عمر
غلطة حكيم.. عبارة أصبحت اعتيادية تسمعها كل يوم على ألسن الناس وفي الوسائل الإعلاميّة عموماً. ويُصاب كثيرون بالصدمة لسماع كلمة "خطأ طبّي". فيما تتناول وسائل الإعلام حالات الأخطاء الطبيّة كفضيحة تزجّ الطبيب في قفص الاتهام. يتكتّم الأطبّاء والممرّضات عن الحادث، ويضيع المريض وأهله بين روايات عدّة دون أن يتمكّنوا من الحصول على الحقيقة فيفقد الثقة بالنظام الطبّي، وبأخلاقيّات المهنة.
*الخطأ الطبّي
يعرّف الخطأ الطبي بأنه عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصّة التي فرضتها عليه مهنته. وهناك من عرّف الخطأ الطبي بأنه إخلالٌ بالعقد الطبي أو بالالتزام المفروض قانوناً على الطبيب. أما الفقه في لبنان، فإنه يرى أن الخطأ الطبي يأتي في تكوينه إخلالاً بموجب بذل العناية، ويتجلّى في كل مرة لا يقوم فيها الطبيب بعمله بانتباه وحذر، ولا يراعي فيها الأصول العلمية المستقرة.
أشارت نتائج دراسة علميّة أجريت عام 2010 وشملت 650 فرداً لبنانيّاً، إلى أن المرضى لا يشتكون من الكفاءات العلميّة للأطباء، بل من أساليب المعاملة التي تفتقد الثقة. وتظهر بحوث عالميّة عدّة أن المرضى وأهاليهم يشكون من عدم الحصول على شروح واضحة، أو معلومات وافيّة في شأن ما حصل لهم. ولا يقدّم الأطباء في معظم الأحيان اعتذاراً أو توضيحاً علميّاً يحفظ حقّ المريض.
*سرطان أم تعب وإرهاق؟!
حالة أبي عماد (66 عاماً) ليست فريدة من نوعها، فالخطأ الطبّي الذي أدّى إلى وفاته جاء في أصل تشخيص الحالة. "لو كلَّف الطبيب نفسه إجراء الصور الشعاعيّة اللازمة لاكتشف أن ما يعاني منه والدي هو بداية سرطان، ولكنه بقي حتى اللحظة الأخيرة يعيد سبب أوجاع ظهره إلى التعب تارة، وإلى محفظة الجيب تارة أخرى!" قالت ابنته بأسف. وتضيف: "لو شخّص الطبيب حالة أبي بدقة منذ البداية لكنّا عالجناه بعمليّة جراحيّة استأصلت الورم الخبيث، ولما خسرنا والدي في تلك السنّ المبكرة".
*الموت لم يكن في الحسبان
أما حالة أبي ممدوح فمن نوع آخر.. فقد صدمت عائلته بخبر وفاته فجأة، بعد أن كان يعاني من انفلوانزا موسمية عادية. ولكن الفحوصات الطبية أثبتت بعد وقت قصير أن طبيباً مهملاً أعطاه حقنة لا تتناسب مع وضعه وسنه، فلقي حتفه بعد يومين.
لا تختلف قصة السيدة ندى عن كثير من مثيلاتها، فإهمال الطبيب في عدم دراسة وتقدير الكمية المناسبة من المخدر، أدى إلى وفاتها أثناء إجراء عملية جراحية لها.
قصص تتوالى وروايات تتناقلها الألسن.. قلّة في الاهتمام، نقص في المعرفة، خوض الطبيب في غير اختصاصه أو خطأ في الحكم.. أسباب متنوعة باتت نتائجها واحدة.. ولكن، هل من يحاسب الطبيب المخطئ على تقصيره؟؟
* رأي القانون
يخبرنا الأستاذ حسين ناصر (محام بالاستئناف) عن موجبات الطبيب بحسب القانون اللبناني. يعتبر القانون أنّ الأصل في التزام الطبيب هو بذل العناية بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية، وأيّ إخلال بهذا الالتزام يعتبر خطأ يترتّب عليه مسؤولية الطبيب. فالالتزام هو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة. ومن المسلّم به أن قواعد مهنة الطب وقوانينها لا تفرض على الطبيب التزاماً بشفاء المريض، ولا ضمان عدم استفحال المرض، وإنما تلزمه فقط بأن يبذل في علاج المريض قدراً من العناية، فإذا بذل هذا القدر برئت ذمته حتى لو لم يُشفَ المريض.
فعلى الطبيب أن يبذل في معالجة مريضه العناية اليقظة ويراعي القواعد الطبية الثابتة ما عدا الظروف الاستثنائية، وكل خروج منه على تلك الموجبات يشكل خطأً طبياً يسأل عنه.
*الخطأ الطبي إخلال بالمسؤولية
وعن كيفية إثبات الخطأ الطبي يوضح ناصر أن مسؤولية الطبيب في أغلبها عقدية وتقصيرية في حالات استثنائية أخرى. ففي مجال المسؤولية العقدية للطبيب، يقع على عاتق المريض إثبات وجود الرباط العقدي بينه وبين الطبيب. أما في مجال مسؤولية الطبيب وتقصيره، فإنه يقع على عاتق المريض إثبات خطأ الطبيب أثناء المعالجة، وأنه لم يبذل في تنفيذ التزامه العناية الواجبة.
ويتابع الأستاذ ناصر: "الموضوع المطلوب إثباته في الخطأ الطبي هو خطأ ارتكبه طبيب عند ممارسته عمله الطبي مخلّاً بالواجب الملقى عليه، وهو بذل العناية. ومن أجل استيضاح هذا الأمر والتعرف إلى الخطأ يلجأ القاضي إلى أهل الخبرة. لذلك تعين المحكمة طبيباً أخصائياً عليه أن يقوم بمهمته بأمانة وموضوعية، ويضع تقريره مبيِّناً مكامن الخطأ التي وقع فيها الطبيب المدَّعى عليه دون أن يخضع لشعوره تجاه زميله الطبيب. ولكن من الناحية العملية فإن العديد من الخبراء في الطب غالباً ما يتعاطفون مع زملائهم، وبالتالي يحاولون من خلال تقاريرهم تبرير أعمال زملائهم.
وعن المسؤولية الجزائية للطبيب يقول ناصر: "لا وجود لنص في القانون اللبناني يحدد المسؤولية الجزائية للأطباء، وإنما تطبَّق القواعد العامة المتعلقة بالمسؤولية الجزائية بجرائم التسبب بالإيذاء أو بالوفاة، إذا كان الجرم نتيجة خطأ، وقواعد المسؤولية الجزائية في الجرائم القصدية إذا كان الفعل قصدياً. فالمادة 564 من قانون العقوبات اللبناني تنص على أنه من "تسبّب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". كما تنص المادة 565 من قانون العقوبات "إلّا أنه إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلّا الإيذاء، فإن العقوبة تكون بالحبس من شهرين إلى سنة، ويعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز المئتي ألف ليرة".
*رأي الشرع
يعرّف الشيخ خضر الديراني الخطأ الطبي من الناحية الشرعية بأنه "انحراف الطبيب عن السلوك الطبي الصحيح والسليم، مع ما يقتضيه من حذر ويقظة خلال ممارسته لعمله، طبقاً للمعايير المهنيّة والإنسانيّة".
ويعيد الشيخ خضر الديراني أسباب وقوع الخطأ الطبي إلى أسباب عديدة منها: الإهمال الواضح والتقصير من قبل الطبيب، عدم وجود الخبرة والكفاءة الكافية، قلّة الحذر والانتباه، جشع بعض الأطباء وعدم التزامهم بالقوانين والضوابط التي ترعى عملهم.
ويضيف الديراني: "قد يقع الخطأ الطبي عندما لا يتعامل الطبيب مع الطب كرسالة، بل كمصدر لتحصيل المال".
أما عن المسؤولية الشرعية التي تقع على عاتق الطبيب المخطئ، فالشرع يؤكد - بحسب الديراني - على "ضرورة التحقيق الشفاف في الحادثة، ليتبين إن كان الخطأ عمدياً أو غير عمدي، أو إن كان ناتجاً عن تقصير الطبيب واستهتاره، أم أن حالته كانت مستعصية ونسبة نجاح المعالجة كانت ضئيلة جداً. أو لربما يكون السبب مثلاً عدم توفّر الإمكانات اللازمة لمعالجة المريض، واضطر الطبيب للاكتفاء بالإمكانات الموجودة بسبب ظروف الزمان أو المكان".
*الدِيَة أو القَصاص
وتختلف العقوبة بحسب الشيخ الديراني مع اختلاف الخطأ ونتيجته. يقول الديراني: "إذا أدى الخطأ إلى أذى في جسد المريض، يتوجب على الطبيب دفع دية له مع عدم التعمّد. أما مع التعمّد، فيحق للمريض المطالبة بالقصاص، أي أن يفعل بالطبيب ما فعل به، على مبدأ العين بالعين والسن بالسن. ولكن إذا وصل الخطأ الى درجة القتل عمداً فعقابه القتل وإذا تبين أن السبب في القتل هو التقصير، يجب على الطبيب دفع الدية، التي يحدّدها القاضي الشرعي الذي ترفع إليه القضية، ويقدم لديه أهل المريض البيّنة على تقصير الطبيب، وكذلك يقدم أمامه الطبيب المخطئ دفاعاً عن نفسه"1 ويتابع الشيخ خضر الديراني: "الطبيب إنسان رسالي قبل أن يكون الإنسان المهني، وقبل أن يفكر بالمكاسب المالية والشهرة والمناصب، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "من تطبب ولم يُعرف منه طب فهو ضامن".
1- هناك تفاصيل وشروط لا بُدَّ من مراعاتها في القصاص والديَة لا مجال لذكرها، يُراجع في تفاصيلها كتاب تحرير الوسيلة للإمام الخميني قدس سره، ج2، كتاب القصاص والديَة.